ابراهيم عربي يكتب : (حقوق الإنسان) … الكيل بمكيالين ..!

سبحان من يحي العظام وهي رميم ..!، في الواقع ذهلت كما ذهل كثيرون مثلي من بيان المفوضية القومية لحقوق الإنسان في السودان بشأن مطالبات جماهيرية بطرد فولكر بيرتس رئيس البعثة الأممية في السودان (يونيتامس) من البلاد فورا بالتي هي أحسن خوفا عليه من ذات مصير حاكم السودان غردون باشا ..!.
وبل إستنكرت مواكب الكرامة السلمية بشدة تدخل فولكر في شأن البلاد معتبرين ذلك إنتهاكا للسيادة الوطنية ، غير أن المفوضية قالت أن ما ذهبت إليه تلكم المواكب يحمل تهديدا للسيد فولكر الذي نصب نفسه حاكما للبلاد ، ويعتبر ذلك جريمة وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان ..!.
مع الأسف الشديد لم يفتح الله للمفوضية بكلمة حيال مئات المواطنين الذين سقطوا بسبب معارك قبلية وعنصرية بالبلاد في ظل علو كعب القبيلة وتفشي خطابات الكراهية والعنصرية ، وبل تغافلت المفوضية عن رصد حالة انتهاكات حقوق الإنسان كما حدث ولازال يحدث في (دار فور، النيل الأزرق ، جنوب كردفان ، الشرق ،غرب كردفان وفي لقاوة وفي الخرطوم وغيرها) .
أين كانت هذه المفوضية من جرائم فض الإعتصام وأين هي من إنتهاكات المظاهرات، وقد ظلت عمياء بكماء عصماء لم نسمع لها قولا بشأن الثوار الذين قتلوا والجرحي ومن عذبوا وشردوا من بلادهم ، مع الأسف الشديد سكتت المفوضية عن حقوق الطلاب وحرمانهم من التعليم والأطفال دون أن ينعموا بطفولة هادئة وكذلك حقهم في الرعاية والتنشئة وحقوق الأمهات، وبل تغافلت عن من ظلوا يستخدمون هؤلاء الأطفال مطية لمكاسب سياسية تحت تأثير المال والإغواء الإغراء والمخدرات ..!.
لماذا صمتت المفوضية حيال خطاب الكراهية السياسية ، وأين هي من الكيد السياسي وتلكم الإعتقالات والإنتهاكات المنظمة والممنجهة تجاه المعتقلين تعسفيا (أربعة) سنوات دون حتي أن يقدموا لمحاكمة ودون أن تتاح لهم فرصة للعلاج وبعضهم أصحاب أمراض مزمنة وبعضهم قد تجاوز (السبعين) من العمر ، ومنهم من توفي في المعتقل بسبب إزدواجية المعايير تلك وليس إلا لأنهم الآخر رغم ذلك لم تنبس المفوضية ببنت شفة فانعقد لسانها وعملت رايحة ..!
إذا كانت لهذه المفوضية ذرة إستحياء لما صمتت حيال تصرفات مكتب فولكر بيرتس والتي قال الإتحاد الأفريقي إنهم زوروا توقيعه في شأن يخص سيادة البلاد ..؟! ، أليس ذلك إنتهاكا صارخا لسيادتنا الوطنية والتي أصبحت بموجبها تباع حقوقنا وتنتهك كرامتنا بين الآليتين الثلاثية والرباعية ، لماذا لا تدين هذه المفوضية الوطنية لحقوق الإنسان هذا السلوك ..؟!.
ولكن لماذا ثارت وطارت هذه المفوضية ببيان تندد فيه بمطالب لمواطنين طالبوا قيادة البلاد بطرد هذا الفولكر الذي جاءت به حين غفلة من الزمان وبالطبع هي المسؤولة أمام شعبها في ظروف لحظية إستثنائية تحت حمايتها ، وحتي لايزاود عليهم أحدا في ذلك ، إن هذه المواكب سلمية ، لم تدعو لمس فولكر بسوء بل طلبت مغادرته البلاد بسلام ..
ولكنهم في ذات الوقت يرون أن هذا الفولكر طغي وتجبر متفرعنا عليهم فأصبح سيدا يقرب هذا ويبعد ذاك مفرقا بين أبناء الوطن الواحد (خيار وفقوس ..!) وذاتها سياسة الإستعمار البغيضة (فرق تسد) التي مارسها الغردونيون في حق أهلنا ، إذ لازالت بلادنا تعاني منها حتي الآن بين الأشقاء وماهذه الحروب والإقتتال القبلي إلا إفرازات لذات جرائم المستعمر ، ألم تتذكر هذه المفوضية جريمة المناطق المقفولة التي بسببها إنفصل جنوبنا الحبيب ولازالت الحرب مستعرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق (الجنوب الجديد) ..؟!.
إذا لماذا لا يحق لهؤلاء أن يذكروا فولكر ببطولات أسلافهم الدراويش الأنصار الذين إستشهدوا بالآلاف دون الهالك غردون نصرة للدين والوطن بقيادة الإمام محمد أحمد المهدي البطل الذي أصبح مع الأسف نفر من ذريته عملاء للسفارات مرتمين في أحضان فولكر باعوا الوطن بثمن بخس دولارات ودراهم معدودة ، لماذا لا يحق لهم أن يفخروا وهم قد هزموا المستعمر الذي جاء إليهم في دارهم سيدا عليهم مستعبدا إياهم ليحرروا البلاد من الذل والعبودية التي مارسها الغردونيون في حق أهلنا ..!.
لماذا لا يذكر هؤلاء فولكر بمصير غردون الذي جاء به المستعمر وكانوا يرون فيه قوة إمبراطوريتهم وعظمتها التي كانت لا تغيب عنها الشمس ..!، ويرون في غردون بطولة وإسطورة حية لا يعرف إلا البطش والإنتصارات ، ولكنه حالما خر صريعا أمام سيل جموع الأنصار أحفاد شهداء شيكان وأحفاد أمراء وقيادات المهدية (الخليفة التعايشي ، الخليفة شريف ، أبوعنجة ، أبوقرجة ، ود النجومي ، الزكي طمل وغيرهم والقائمة تطول وتطول ..!) .
علي كل فإن هؤلاء المتظاهرون في مواكب الكرامة الذين طالبوا بطرد فولكر هم ذاتهم أحفاد مئات الآلاف من شهداء المهدية ويطالبون برفع ذات راية لا إله إلا الله التي إستشهد دونها أسلافهم وهم يرون في فولكر الذي نصب نفسه حاكما للبلاد ليفرض عليهم دستورا علمانيا جاء به من الخارج بمساعدة خونة وعملاء من بني جلدتنا ، ماهو إلا إمتدادا لذات سياسة المستعمر غردون ، وبالطبع يرون في طرده بداية لمرحلة جديدة من التاريخ السوداني لحكم وطني ينهي الإستعمار ويوقف تدخله في سيادة البلاد .
مع الأسف الشديد ليست هذه الولولة عن خطر حقيقي جاد يتهدد هؤلاء وإنما استدعاء لوقائع تاريخية مثبتة وكانت تمثل مصدر فخر وطني لكل منتمي لتراب هذا الوطن بإعتباره جزء من تاريخهم الوطني ، ولكن بكل أسف أصبحت المفوضية بذاتها مكان تندر وسخرية من قبل البعض لإزدواجية المعايير التي ظلت تتبعها بين مواطن وآخر ..!.
الرادار .. الأثنين 31 إكتوبر 2022 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى