ممرات ومسارات تهريب البشر في السودان

أثارت قضية مقتل (15) مهاجراً غير شرعى بمدينة (صبراتة) غربي ليبيا الرأى العام المحلي، وقتل المذكورون اثر تعرضهم لاطلاق نار بين عصابتين للاتجار بالبشر على خلفية تصفية حسابات بين العصابتين، الا ان ذلك الحادث يكشف مدى تنامى ظاهرة الاتجار بالبشر على مستوى دول الاقليم خاصة التى تعانى من الصراعات والحروب.

الاتجار والتهريب
على الرغم من الاختلاف الكبير بين جريمتى الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، الا انهما ترتبطان ببعضهما ارتباطاً وثيقاً، وذلك لاسباب تتمثل فى ان اغلب جرائم الاتجار بالبشر تحدث نتيجة لجريمة تهريب المهاجرين او اثناء عملية تهريبهم.
أضف الى ذلك ان جريمة تهريب المهاجرين غير الشرعيين تتحول فى احدى مراحلها لجريمة اتجار بالبشر مكتملة الاركان، فمثلاً اثناء رحلة المهاجرين من الحدود الشرقية فى طريقهم الى داخل السودان تتحول عملية التهريب الى اتجار بالبشر اذا صادف المهاجرون فى طريق رحلتهم شبكة اجرامية اخرى قامت باختطافهم واحتجازهم كضحايا، ويطلق على الضحايا اسم (بضاعة)، وهو المتداول بين تجار البشر، ثم يتم الاتصال بذويهم وابتزازهم بغرض دفع فدية نظير اطلاق سراحهم.

وللاتجار بالبشر عدة صور ناجمة عن عملية تهريب المهاجرين ايضاً، مثل انه فى حال عجز المهاجر عن السداد تتحول العملية لاتجار بالبشر، حيث يتم احتجازه الى حين سداد تكلفة الرحلة، وطيلة فترة الاحتجاز يتعرض للتعذيب او الارغام على العمل (سخرة).
وهنالك صور اخرى للاتجار بالبشر تتمثل فى جرائم الاستغلال الجنسى والعمالة القسرية واستغلال الاطفال وغيرها.
مصرع ضحايا
وهنالك ضحايا يلقون حتفهم اثناء رحلة تهريبهم اما جوعاً وعطشاً جراء طول الطريق ووعثاء الرحلة او جراء الاشتباكات بين عصابات الاتجار بالبشر التى تنفذ غارات على بعضها البعض لتصفية حسابات فيما بينها يروح ضحيتها الضحايا.
وحسب افادات مصادر لصيقة بتلك العصابات، فإن اسباب الصراعات بين العصابات تقع نتيجة عدة اسباب ابرزها التنافس على تحقيق المكاسب المالية والتسابق على خطف الضحايا من العصابات بغرض تجميع اكبر عدد، او صراعات لها علاقة بجوانب قبلية، حيث تنفذ عصابات البشر غارات على عصابات اخرى تكون فى العادة من قبيلة اخرى مختلفة، ثم تتم تصفية الحسابات عن طريق الضحايا بقتلهم وابادتهم بغرض تكبيد التاجر خسائر فادحة.
وتعتبر جريمة تهريب المهاجرين او الاتجار بالبشر جريمة منظمة تديرها شبكات اجرامية منظمة لها اذرع بدول المنبع وفى السودان دولة العبور وكذلك فى ليبيا، وتبدأ هذه الجريمة من الدولة التى يخرج منها المهاجر وتستمر حتى وصوله مبتغاه الاخير. وبحسب المعلومات الواردة فإن الشبكات التى تعمل فى مجال الاتجار بالبشر وتهريبهم شبكات عنقودية متداخلة ولها صلة ببعضها البعض، ويعتبر السودان دولة معبر للمهاجرين الذين يتوافدون اليه من دول المحيط التى عانت من ويلات الحروب مما ادى لتهجير مواطنيها قسراً.

نقاط التجميع
وبحسب المعلومات فإن العناصر السودانية المشتركة فى الشبكات الاجرامية هم عبارة عن مرحلين توكل اليهم مهمة نقل الضحايا من الحدود الشرقية وحتى الحدود الليبية، وتبدأ العملية بالسمسار او التاجر الاجنبي، حيث يوكل التاجر مهمة تجميع الضحايا للسماسرة الذين يعملون تحته، ومثلاً دولة اثيوبيا فإن الضحايا فيها يتم تجميعهم داخلها عن طريق سماسرة يعملون تحت امرة التاجر، ويتم نقلهم الى الحدود الاثيوبية، ومن هناك يتم تسليمهم لمرحل سودانى يقوم بنقلهم الى داخل البلاد عابراً الولايات، وتنتهى مرحلته عند حدود محلية شرق النيل، حيث يوضع الضحايا داخل ما تسمى (المخازن)، علماً بأن تلك المخازن تتنوع وتتجدد ويتم تغييرها فى كل عملية، ثم يتولى المرحل الثانى ترحيلهم من ام درمان الى الحدود الليبية، حيث يتم تسليمهم للمهرب الليبي الذي بدوره يحتفظ بهم داخل مخازن تنتشر فى ليبيا فى قرى بنى وليد والزاوية وغيرها من الضواحى الليبية، ويتم نقلهم الى سواحل البحر الابيض المتوسط، حيث ينقلون عبر (السنابك) و (قوارب الصيد).

وتعتبر تجارة البشر من الانشطة التى تدر اموالاً طائلة للتجار الذين ينشطون فيها، ويحدث ان يتورط بعض ضعاف النفوس من عناصر القوات النظامية وبعض المتنفذين فى الاشتراك فى هذه الجريمة سعياً وراء الكسب المادى، وبحسب المعلومات الواردة فإن المشكلة الاساسية تكمن فى ان الاطراف الرئيسة المتورطة فى مثل هذه الجرائم فى العادة لا تسقط فى قبضة السلطات الامنية، واثناء الضبط والقبض دائماً يتم القبض على امين المخزن وهو المشرف على الضحايا وعلى غذائهم، وغالباً ما يتحملها هو ولا يدلى بأية معلومات حول المتهمين الاساسيين المتورطين، ويحتفظ بالسر مقابل الصرف البذخى على عائلته وتلبية احتياجاتهم.
وتشير متابعات (الانتباهة) الى انه منذ عام 2018م وحتى الآن لم تتمكن السلطات من تفكيك اية شبكات كبيرة تنشط فى تجارة البشر، كما انه طيلة تلك الفترة وحتى الآن لم تتم محاكمة تجار كبار تورطوا فى قضايا الاتجار بالبشر، بينما تقع تلك الجرائم بصفة مستمرة، ولا يمر اسبوع دون ضبط شبكة من الشبكات، مما جعل تلك الشبكات ذات نفوذ كبير وثروات طائلة جراء تنامى عمليات الاتجار والتهريب.

الحروب والصراعات
ويشهد عدد من دول الاقليم حروبات وصراعات ونزاعات قبلية كانت سبباً فى تنامى الهجرات غير الشرعية، وبالتالى تنامى جرائم الاتجار بالبشر. وتعانى الدول المحيطة بالسودان من الحروبات والنزاعات القبلية مثل اثيوبيا واريتريا والصومال وعدد من الدول الافريقية، بجانب بعض دول الجوار البحرى امثال اليمن وغيرها. وهذا ما قاد لتنامي الهجرات غير الشرعية التى تفر الى السودان، ويستقبل السودان يومياً نحو (200) لاجئ من دول الجوار يتم توزيعهم على معسكرات، الا انهم يجدون معاناة فى تلك المعسكرات التى لا حدود لها مما يجعلهم يفكرون فى الفرار، فيفرون سيراً على الاقدام فى تجاه الخرطوم، واثناء رحلتهم يسقطون ضحايا فى قبضة عصابات الاتجار بالبشر، وفى بعض الاوقات يتم اختطافهم من داخل المعسكرات نسبة لأنها تفتقر للتأمين والاسوار، مما يفتح شهية تجار البشر نحوها.

مسارات
وعصابات الاتجار بالبشر تنتشر فى اثيوبيا واريتريا ولها صلات باذرع لتلك العصابات بالسودان تنتشر فى كسلا والقضارف وشرق النيل، وتعتبر ضواحي محلية شرق النيل مربط الفرس، حيث يتبع المهربون والعصابات طرقاً ومسارات خلوية من القضارف مروراً بصحراء البطانة ومنها الى قرى ود ابو صالح وود حسونة والفادنية، وهنالك طريق آخر يمتد عبر تمبول بشرق الجزيرة ويمر بقرى (القرعاب)، ويتجاوز كل تلك القرى ليصل الى مناطق خلوية تنتشر فيها مخازن تستغل لتجميع البشر او يتم نقلهم الى حى الجريف او ام دوم او الحاج يوسف.

رحلة المهاجرين
وهنالك رحلة اخرى تمتد لتصل الى مناطق الديم بالخرطوم والجريف غرب، بينما يتم نقل مجموعات اخرى الى ام درمان وتحديداً مناطق غرب سوق ليبيا، قبل ان يتم نقلهم الى منطقة (بوحات) الشهيرة بتهريب البشر، وتعتبر منطقة بوحات الواقعة عند الكيلو (105) وتقع على بعد (3) كيلومترات غربي طريق دنقلا، من اضخم مراكز التجميع ونقطة انطلاق اساسية لرحلة عصابات البشر وعصابات التهريب بمختلف انواعها.
ومن الكيلو (105) يتم تحريكهم فى جماعات بعضها يسير صوب مدينة (الخناق)، بينما يتم نقل البعض الآخر مباشرة الى (المثلث)، وهنالك فى الحدود الليبية يتم تسليمهم لعصابات ليبية مختلفة تنطلق بهم الى سبها ثم سرت ومنها للمناطق الغربية ثم الى المدن الساحلية، وهى مدن (مصراتة)، (زوارة)، (طرابلس)، (صبراتة) و(الزاوية)، بجانب طرق اخرى متعددة ومسارات مختلفة تقود للسواحل، ولعل عصابات التبو الليبية وعصابات الدباشى وغيرها من ابرز العصابات التى تنشط فى مجال تهريب البشر.

واشارت معلومات مهمة الى ان عصابات البشر التى تنتشر في ضواحى شرق النيل باتت تتبع اسلوباً اشبه باسلوب مافيا البشر الايطالية، فكما تتقاسم العصابات الايطالية الاحياء فى مدينة ميلانو وتستغلها مناطق مغلقة ومحمية ويصعب اختراقها او الدخول فيها من قبل القوات الامنية، كذلك باتت بعض القرى التي تنتشر في ضواحى شرق النيل قرى مغلقة تصعب مداهمتهما او اختراقها من قبل القوات النظامية، وان اية محاولات لاقتحامها تجعل القوة المداهمة عرضة للاعتداء من قبل الاهالى، الا فى حالة دخول قوات ضخمة وكبيرة تحمل اسلحة قتالية، ولكن دون ذلك يصعب اختراقها، حيث توفر بعض التنظيمات القبلية الحماية لتجار البشر واصحاب المخازن في تلك القرى.

طرق التهريب
التقرير الامريكى لحقوق الانسان الذى استعرض فى وقت سابق، اكد ان السودان يأتى فى المرحلة الثانية رغم ضعف جهوده، مشدداً على ضرورة السعي لتقوية تلك الجهود. واشارت تقارير عن تجارة البشر رصدتها ايطاليا الى ان هنالك (7) طرق يسلكها المهربون وعصابات البشر والمهاجرون غير الشرعيين للوصول الى اوروبا، واشارت تقارير الى ان (5) من تلك الطرق تمر بالسودان.
والطريق الاول يبدأ من اليمن مروراً ببورتسودان ومنها الى كسلا، والطريق الثانى طريق اريتريا كسلا، وهنالك طريق اثيوبيا ــ القلابات ــ القضارف. وتلتقى الطرق الثلاثة المذكورة فى سهل البطانة، اما الطريق الرابع فهو طريق جنوب السودان، وهو طريق متفرع ويبدأ من الصومال الى كينيا ومنها الى يوغندا ثم الى دولة جنوب السودان، ومنه الى جوبا مروراً بمدينة اويل ثم الى مدينة المجلد بجنوب كردفان ومنها الى ام درمان عن طريق بارا ثم الى ليبيا، ويتفرع من هذا الطريق فرع آخر من نفس الدول والى ذات المدن، ولكن ينقسم فى المجلد، وبدلاً من ان يتوجه الى ام درمان فإنه يتفرع من المجلد الى ولاية شمال دارفور مباشرة ومنها الى الحدود الليبية بدلاً من ام درمان، أما الطريق الخامس فهو طريق مقديشو ــ بوصاصو، ويمر بمنطقة (هيرقيسيا) ومنها الى منطقة جقجقة على الحدود الاثيوبية، ويمر باديس ابابا ثم الى محافظة قندر الاثيوبية ومنها الى المتمة الاثيوبية، ومن ثم الى داخل السودان بذات طريق التهريب الذى يمر بالبطانة ويتوجه الى ليبيا.

ويرى الخبير الجنائي العقيد شرطة (م) الدكتور عبد الرحيم محمد عبد الرحيم ان جريمتى الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين من اخطر الجرائم المنظمة والعابرة للدول، وكانت هنالك مشروعات مكافحة كبيرة برعاية الدول الاوروبية المتضررة من هذه الهجرات بالاستعانة بمكونات محلية بدول المعبر والمنبع، الا ان هذه الجهود باءت بالفشل نسبة لأن الجهات التى خول لها هذا العمل باتت لديها مشكلات قانونية وتفتقد للمراكز القانونية، وعدم تقبل المجتمع الدولى لها لتورط بعض تلك الجهات فى انتهاكات متعلقة بحقوق الانسان وجرائم الابادة الجماعية، وهذه الفئات اصبحت تستثمر هذا الجانب فى مآرب اخرى، حيث ظهرت حالات المطالبة بفدية واختطاف الضحايا بجانب تورطهم فى عمليات قتل للضحايا يحدث اثناء اشتباكات مسلحة، وكذلك تورطهم فى جرائم اغتصاب لبعض المهاجرات وكذلك انتهاكات لحقوق المرأة.
ودعا الدكتور عبد الرحيم للتصدى لهذه الممارسات بالتنسيق بين الدول التى تعبر بها هذه المجموعات فى اطار القوانين وبمساعدة المنظمات الدولية، وعدم ترك الامر لجهات متفلتة لا تخضع لسلطان القانون.

مصدر الخبر / صحيفة الانتباهة

الخرطوم: هاجر سليمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى