:: قبل أسبوع، عندما استقبلت بعض شباب شبكة الصحفيين، ليستأذنوا في مخاطبة زملائهم – باليوم التالي – ببرنامجهم الانتخابي، تذكرت الناشط بقوى الحرية محمد عصمت الذي كان يقتحم البنوك منتصف النهار بلا استئذان، ثم يعطل دولاب العمل، ليخاطب العاملين بهتافات لا تسمن ولا تغني من جوع.. أذنت لشباب الشبكة بما طلبوا، ثم ناقشتهم في بعض قضايا المهنة، فوجدتهم أكثر وعياً و نضجاً من الذين يطفون على سطح السياسة بالحلاقيم وليس بالعقول..!!
:: وأن يُنظم أهل الصحافة عُرساً ديمقراطياً لاختيار نقابتهم، فهذا ليس بالأمر المُدهش.. فالشاهد أن أهل الصحافة دوماً يسبقون الآخرين في مضمار الديمقراطية والممارسة الراشدة لها.. وهم الذين غرسوا بذرة الثورة والتغيير – بلا تنطع أو مزايدة – بالصبر على المحاكم والاعتقال والاستدعاء والإيقاف و الرقابة القبلية و المصادرةبعد الطبع و.. و.. كل أنوع التنكيل، صبروا عليها، ليس طمعاً في سلطة أو ثروة، و لكن أملاً في وطن تسود فيه قيم الحق والخير..!!
:: وهذا العرس الديمقراطي – بغض النظر عن المواقف المتباينة والأخطاء الإجرائية – خطوة نحو (الهدف المنشود)، وهو وطن ينعم فيه شعبه بالحرية و الديمقراطية والتنافس الشريف فيما بينهم لخدمة بعضهم وبلادهم.. و إن كانت ثمة مبادرة في الوقت الراهن تستحق الثناء، فهي مبادرة الصحفيين لإيقاد شمعة أمل بإحياء نقابتهم بعد (33 عاماً) من الغياب، و ليست مبادرة الدراويش المراد بها إهدار المال و الزمن في (اللا شيء)..ومن المحزن أن السواد الأعظم من الشباب الذين انتخبوا نقابتهم، لم يلمسوا بطاقة اقتراع من قبل..!!
:: ثم الرسالة الأقوى – في العرس الديمقراطي – هي (إرادتك هي التي تصنع واقعك)، و ليس التهريج وانتظار فولكر.. فليتعلم من نلقبهم بالسياسيين الدرس من الصحفيين.. سجلات العضوية ظلت مفتوحة لجميع الصحفيين، وليس بنهج (نحن فقط من ننتخب نقابتنا، هذا ممنوع).. وكذلك الجمعية العمومية، شارك فيها من يشاء دون كبتٍ لرأيٍ.. ثم سجلات الترشيح، ثم الاقتراع .. و.. و.. كل شيء تم في الهواء الطلق، ما بين الرفض والقبول؛ و دون تخريب أو تهريج، وهنا تتجلى عظمة الديمقراطية..!!
:: و اليوم؛ يُحق للأخ عبد المنعم أبوإدريس أن يفتخر بأنه (نقيب منتخب)، وليس كالذين فرضتهم لجنة إزالة التمكين بغرض التمكين، ففشلوا.. ومن المضحك احتفاء شركاء العسكر في حكومة حمدوك بنقابة الصحفيين، و كأنهم ما ساهموا في تعطيلها بالعجز عن تعديل قانون النقابات لسنة (2010).. فالنشطاء انشغلوا بالسلطة والثروة و تجاهلوا كل قوانين الحريات، بما فيها قوانين الصحافة والنقابات وغيرها..!!
:: وناهيكم عن قانون النقابات، هناك أربع جهات تحاكم الصحافة، بأربع عقوبات، في قضية واحدة.. منذ عهد البشير وحتى اليوم، المجلس يعاقب بالإيقاف، وتعاقب نيابة الصحافة بحظر النشر، وتعاقب نيابة المعلوماتية بالسجن، ثم المحكمة بالسجن أو الغرامة أو بالاثنين.. ومن يتشدقون بشعارات الديمقراطية بعد ذهاب ملكهم هم الذين غضوا الطرف عن تعديل قانون الصحافة – لسنة 2009 – عندما كانوا ملوكاً.. وعلى كل، مبروك للصحفيين انتخاب نقابتهم، وليس هناك ما يمنع الشعب عن انتخاب حكومته غير الرغبة المشتركة في التمكين بلا تفويض…!!