تأملات – جمال عنقرة – لقاء البرهان أبي أحمد.. هل يصحح مسار العلاقات الثلاثية؟

تناول كثيرون من الكتاب والسياسيين بالتعليق والتحليل اللقاء الذي جمع رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، برئيس الوزراء الإثيوبي السيد أبي أحمد في العاصمة الكينية نيروبي علي هامش قمة الإيقاد التي يتولي رئاسة دورتها الحالية الرئيس البرهان، ولكن كثيرين من الذين تحدثوا، وكتبوا تناولوا الموضوع بسطحية مخلة جدا، فاعتبر بعضهم تصفية الخلافات السودانية الإثيوبية، بداية لعودة التوتر بين العلاقات السودانية المصرية، واعتبر آخرون مجرد قبول البرهان الجلوس مع أبي أحمد بيعا لدماء الجنود السودانيين السبعة والمواطن الذين اغتالتهم القوات الإثيوبية، وذهب آخرون مذاهب أخري في التحليل لم يخرج أكثرها عن هذه الدائرة الضيقة التي تنظر إلى الأمور بمناظير معتمة.
ان واحدة من أكبر الأخطاء في النظر إلى العلاقات السودانية الإثيوبية، لا سيما في الموضوع الأكثر تعقيدا، وهو موضوع ملف سد النهضة، أن كثيرين من المسؤولين السودانيين، وعلي تعاقب الأنظمة الماضية، والحالية، ينظرون للسودان وكأنه وسيط بين مصر واثيوبيا، ويتناسون أنه طرف أصيل ومهم، بل هو أهم الأطراف الثلاثة، وما يتوفر للسودان، لا يتوفر لمصر، ولا لاثيوبيا، فالسودان له قواسم مشتركة مع مصر ومع إثيوبيا، لا يوجد مثيل لها بينهما فيما بعضهما، ويوجد سودانيون كثر من أصول مصرية، ويوجد مصريون من أصول سودانية، ويوجد أيضا سودانيون من أصول إثيوبية، ويوجد إثيوبيون من أصول سودانية، ولا يوجد مصريون من أصول إثيوبية، ولا إثيوبيون من أصول إثيوبية، إلا حالات نادرة جدا لا تصلح أن تكون معيارا، ومن ناحية أخري فإن المصالح السودانية المصرية، والمصالح السودانية الإثيوبية، لا توجد مقارنة بينها وبين المصالح المصرية الإثيوبية، وفي ذات الشأن فإن أي مكاسب يمكن أن تحققها مصر، ينال السودان منها نصيبا، وتصيبه أضرار من كل ما تضار منه مصر، وهو أيضا يكسب مما تكسب منه إثيوبيا، ويضار مما تضار منه، وليس بالضرورة أن يصيب خير مصر وشرها إثيوبيا، ولا أن يصيب خير وشر إثيوبيا مصر، وفي شأن سد النهضة تحديدا، فإن ما يمكن أن ينال السودان من منافع من السد أكبر مما يمكن أن تناله مصر، وما يمكن أن يلحق به من أضرار هو قطعا أكبر مما يمكن أن يلحق بمصر، ومع ذلك لم يفكر كثيرون من المسؤولين السودانيين في استثمار هذا الوضع المميز والمتميز، والنادر الفريد في معالجة قضايا ملف سد النهضة.
ولعل من الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها سودانيون كثر، بعضهم سياسيون، وبعضهم فنيون، وبعضهم أكاديميون، وبعضهم إعلاميون، أن بعض من كل هؤلاء تقاسموا تبني المواقف المصرية والاثيوبية، بكل تحفظاتها، فبعضهم تبني موقفا مصريا يرفض فكرة قيام سد النهضة رفضا مطلقا مهما كانت المبررات، وبعضهم تبني موقفا إثيوبيا يري أن السد لا بد أن يقوم، سواء وافق المصريون أو اعترضوا، وهؤلاء واولئك هم الذين اضاعوا الدور المحوري الذي كان ينبغي أن يلعبه السودان في ملف سد النهضة.
وفي تقديري أن لقاء البرهان وأبي أحمد يشكل سانحة طيبة لإعادة ترتيب الدور السوداني في ملف سد النهضة، ويفتح بابا لمعالجة مسألة أراضي الفشقة السودانية التي كان يستغلها مواطنون إثيوبيون بموافقة الحكومة السودانية السابقة، وبعد الثورة ظهرت المبادرة الإماراتية لتقنين أوضاع الإثيوبيين بها بغطاء استثماري إماراتي بخبرات إسرائيلية ومزارعين إثيوبيين، ولما رفض السودان المبادرة لما فيها من قنابل موقوتة، حاول الإثيوبيين التمكن منها بالقوة، فتصدي لهم الجيش السوداني ببسالة.
هذان الملفان- سد النهضة، والفشقة – يمكن إعادة النظر في معالجتهما برؤي وافكار شاملة، ليس هذا مكانا ولا مقاما لطرح تفاصيلهما، ولكن أعتقد أن لقاء البرهان أبي أحمد، اتاح هذه الفرصة التي يجب استثمارها، وعدم اضاعتها كما اضعنا من قبل فرصا عدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى