الراصد – فضل الله رابح – 30 يونيو .. النهايات بتفسيـرات مختلفـة ومأزق تشُّكُل المشروع الوطنى

الخرطوم الحاكم نيوز
مرت اليوم ذكرى 30 يونيــو بتفاصيلها المعروفـــة والمشهودة فى الإعلام بروايات الأجسام الحقيقية والإفتراضية .. معلوم أن 30 يونيـــو هى التأريخ المحبب للإنقاذ وقواعـدها الحيـــة ولا أدرى بأي فقـه سياسى وأيّ مسوق عقلانى ينادى اليسار وبقايا الحريـة والتغيير ينادون الناس والشباب للخروج وإحيـاء هذه الذكرى .. ولا أدرى ماذا تعنى بالنسبة لهم هل هى ـ حسرة أم مصدر فرح حتى يجددون فيها كل عام أحزان الأسر وإنكسارات وإحباطات الشباب .. ?? من زاوية أخري هل ـ خروجهم فى هذه المناسبـــة يعتبـر خطوة وكفارة لذنوبهم وبمثابة إعتذار من دعاة التظاهـر لعقمهم الفكرى وفشلهم النضالى وبعـدهم عن تحقيـــق شعاراتــــهم ( حرية .. سلام .. وعدالــــة ..) أم أنهم أرادوا الخروج للشارع كتفسير وتعبيـــر عن الأزمة وفشل النخبـــة السودانيـــة .. ?? بصراحة بحثت عن منطق ولم أجده ثم إستمعت لمعظم المخاطبـات والندوات التعبـوية والتحريضية التى نظمتها القوى التي تنادى بالخروج فى يوم 30 يونيو كان معظمهم بلا حجة وبلا رؤيـة واضحة وحتى المحتوى الإعلامى والسياسى الذى تشكل وصدر عن تلك الفعاليات والندوات لم يقدم قراءة حقيقيـة ولا حجـــة فعالـة وراهنــة لواقعنـا الحقيقى المأزوم فمازال هؤلاء يتعيّشون على الأفكار والبضاعــة التى لا تجد من يشتريـها اليــوم ( الكيزان والعسكر والحرمنـة وما أدراك ما الكيزان ) وهذه الدعاوى بالنسبة لواقع اليوم وتطوراته أصبحت محل سخرية وتندر ودونــكم ندوة حزب الأمة القومى التى نظمها بحاضرة شمال كردفان مدينة الأبيض وخاطبـها صديــق الصادق المهدى ورفقـــة ( نسيبـه ) الواثق البرير وكان الملاحظ حتى نهايـــة الندوة لم يصعد المنصة أحدٌ من المعارضيـن لهم حتى يحرر لهم منبر النقاش لكن المفارقـــة الصندوق فتح عليهم من الداخل حينما صعد المنبر الاستاذ / أحمد البشير رئيس حزب الامة السابق وقدم لهم نقداً لاذعاً للطريقـة والتناقض الذي يتحدثون بــه وقال لهم بالنص إتفقوا علي مشروع وطنى أولاً ثم تعالوا لينا وحدوثنا عن الخروج يوم 30 يونيو وإلي عهد قريب في مثل هذه الندوات قادة الإنقاذ يطلقون حرية المايك ليسمعوا رأي المعارضين وفي ذلك تحضرني ندوة الشيخ على عثمان محمد طه داخل جامعة كردفان حينما نزل من المنصة ليقارع الناس الحجة بالحجة حتى صفق له خصومه قبل مناصريه .. لكن تعمد قادة حزب الامة تعاملاً تقليداً بيد أنهم نسوا أنهم يتحدثون مع مجتمع عاد إليـه وعيه وقد إنقشع عنه التغبيش وعاد إليه تفكيره السليم وإسلوب كهذا غير مستبعد من حزب أكثر تقليديـــة وكان الأحرى بهم فى مثل هذه اللحظات والمواقف والظروف التى تمر بها البلاد ان يكونوا أكثر عمقاً وصراحةً فى تفسيرهم للمواقف غير أنها عادة النخبـة السياسيــة السودانيــة الفاشلـــة تدعى الديمقراطيــــة والعقلانيــة والحريــة دون أن يعملون لها ودون أن يحققوا شروطها من حيث تطبيقـها وممارستها وتطويرها داخل مؤسساتهم الحزبية والتنظيمية .. لذلك وللأسف فى ندوة الأبيض كانوا يخشون خصومهم من الإسلاميين ومن حلفاء الإسلاميين خلال الـ 30 سنـة الماضيـــة لكنهم تفاجأوا بأن الصندوق قد فَتح من الداخل لأنـهم لم يحصنوه بتحمل النقد والتصحيح المستمر وتحمل الإختلاف تعودوا يصححوا كراسات غيرهم ولم يتعودوا علي تصحيح كراساتهم الممزقــــة .. فى الواقع أن تحالف الأحزاب التقليديـــة واليساريـة الغريب والذى لا يقف على رجلين هذا التحالف ليس قادراً علي ان يتجدد من الداخل وأحزابه وتياراته متكلسة وليس قادرة علي التكاثر إلا بعوامل الطبيعة والموت وإنه سيظل تحالفاً رجعياً ومحل إستهلاك لطاقـــة الوطن وشبابــه وسيظل هذا التحالف الشيطانى يبحث عن من يتبع الإسلوب السياسي الاستبدادى بلا خجل ولن يجده لأنه تحالف كاذب وبلا مصداقية سياسية ولا يمتلك معايير أخلاقيـــة .. الأحزاب والنخب غرقانـه فى أوهام المثقفين ومصطلحات العلمانيــة و التحررية والتقدميـــة ليس بمقدورها إنتاج أجيـال تحرس هذه الأفكار المتحجرة وطبيعى أن تفقد فاعليتها الفكرية فى إنتاج المشاريع السياسية الطموحة وطبيعى ان يكون الوطن بسببـهم عُرضة لايِّ شئ وطن ( وحلان ) في خيبة الأمل واليأس (وحلان ) فى طين ورمال المحاولات ومأزق غياب المشروع الوطنِّى .. اليوم بمناسبة 30 يونيو النخبة السياسية الفاشلة تحاوِل ان تُكرر فشلها وتقود الشباب بذات السواقــة بالخلاّ وبذات الأكذوبات القديمة وتناسوا أن الشعب أوعى منهم جميعاً وأن الشباب باتوا مستنيرين بقدر يتيح لهم إقامـة علاقات متينة مع الحقيقة إلا تلك الكتلة الحرجة من المهيكلين وكوادر القوى السياسية المجبورين على الفعل وقيادة الحراك لكن غير ذلك لا اعتقد ان هناك من يتبعهم من شباب الوطن وعوام السودانيين غير الملتزمين سياسياً ولذلك أي نداء للتظاهر والمواجهة حالياً أو مستقبلياً سوف يخضـع لمعايير الواقع العقلانى ولمطلوبات المستقبل السودانى المعقد والذى لا زال ينتظر المجهول وفي هذا سوف يصبح مستقبل الاحزاب اليسارية الانتهازيــة فى ذكرى 30 يونيـو هو النهايات والتلاشى لأنهم خلال ثلاثــة سنوات لم يقدموا ما يطمئن الشعب ولم يستجيبوا لمطلوبات الشباب بل كان أداءهم بائساً وضعيفاً وبسببه فقدوا كل عناصر التواصل مع المجتمع المحلى والاقليمي والدولى ولم تعد نظريات التظاهر بلا مشروع والتهييج بلا قضية أداة ووسيلة فاعلـة لتحريك المشاعر وتحريض المجتمع وتعبئة الشارع وتهيئة البيئة لقيادة التغيير عبر الشارع والعودة لحكم مدنى متنازع عليـه كما كان في السابق وسيظل يقف الشباب الموضوعيين الذين تماهوا معهم في بدايات الثورة خلال العام 2019م وكان ثمرة تفاعلـهم التغيير المخطوف حالياً والذى شهدته بلادنا قبل ثلاثة سنوات ودمرها وأهدر طاقتها الحيوية كلها ولازال .. وان ما شهده السودانيون والعالم اجمع من نظام حكم الحرية والتغيير بعد التطبيق العملى والفشل الكبير للحرية والتغيير وهي في سدة الحكم وممارسة السلطة بعد كل هذا سقطت كل المثاليات والمسلمات وهو فشل إقتصادي وسياسي واجتماعى تأثر به الكل وفي كل المستويات وبات مستحيلاً أن يتماهى هذا الجيل من الشباب وكذلك الشعب مع الكذبــة ويمكّْنَهُم من جديد ومن المستحيلات أن تتطابق أفكاره مع مشاريع السياسيين الفاشلــة مرة اخري ولذلك 30 يونيو هذا العام ستكون محطة فاصلة ما بين الخيال المُجنِّح والواقع الحقيقى والموضوعى ولذلك لابد للشعب أن يعاقِب الذين يدَعُون للحراك والتظاهر ويقودون الشباب للمحرقة والموت وهم في سربهم آمنون نسأل الله الرحمة للذين يموتون فى كل مظاهرة وكذلك الصحة وتمام العافية للمصابين والخزي والعار للذين يحرضونهم ويوظفون طاقة الشباب فى اللافايــــدة .. 30 يونيــو تظل فكرة والفكرة وطن .. والوطن اليوم يقاتـــل فى عظائم الأمور والجبهات الكبيرة وبعد أكثر من ستين عاماً هي عمر إستقلال بلادنا وتحررها لن يسمح لمن يخربه من جديد ولن نسمح بفقدانه وضياعـــه تحت غبار صراع المكاسب السياسية ومخالب المخابرات العالميـــة .. أكثر من ستين عاماً كانت فيها أفكار وتجارب وطنية عظيمة يختلف الناس أو يتفقون حولها لكنها تظل محاولات فردية وجماعيــة وطنية هدفها النهوض بهذا الوطن ولا اعتقد أننـا بحاجة لأن نعود للوراء وأن نتبع مشاريع سياسية لا تنتج الا العجز والفشل لكننا أكثـر حاجة للبناء والتأسيس على من سبق من إيجابيات وإتباع خطوات السابقين من الوطنيين وأن نتجاوز الاشكالات والمشاريع السياسيـــة والثورية التى لا تنتج إلا عوائقها وألغامها ومن ثم يستمتع صناعها ومن يقفون خلفها بأصوات ودويّ إنفجاراتها .. أيها الوطنيون لماذا لا تأخذون بثمرة عصر النهضة الأوربية وتكتلاتها وإبتكارات الفكر السياسي الحديث في أمريكا وروسيا الذين عادوا للتعامل مع الإنسان وإحترام تنوعه وإيمانياته وعقله وإستقلاليته وسلطانه وهذه يسمونها فلسفة التحرر لكنها في الاصل فلسفة الاسلام في الحريات وحقوق الانسان .. علينا جميعاً أن نسير قدماً مع حركة التاريخ وأن نتقدم نحو مزيدٍ من التراكم والتحسن نحو الافضل ومزيد من الثراء الحضاري و أن لا نتاخر بسبب تعقيدات السياسة وإنشغالاتها التي لا تنتهي .. إن الشعب السوداني يعاني من عدم الكفايـة في المعاش والحاجـة وأبسط مقومات الحياة وقادته بالخرطوم والاعلام يتقاتلون حول كرسي السلطة .. الشعب السودانى في اقاليمه المختلفة يبحث عن المعرفــة وأبسط ضروراتها والمؤسف أن المتعلمين منـه يتقاتلون علي شوارع الستين والمعونة وباشدار والأربعين بالخرطوم بإسم الحرية فمساعينا جميعاً ينبغي أن تتلاءم مع حركة التاريخ ووجهته التقدمية وأن نقوم نحن بتسريعها وفق الاستجابــة لمطلوباتنا الضرورية اليوم والّا ننتكس ونعود للوراء بقدر ما نندفع إلي الامام حضارياً ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى