ابراهيم عربي يكتب : (الكتمة) … الخطة (ب)  ..!

أكملت (الكتمة) اليوم (11) عاما منذ إنفجارها 6/6 / 2011 في كادقلي حاضرة جنوب كردفان ولازالت لها أسرارها ، وما أحدثته من مآلات ، فالموت أصبح منتشرا في كل مكان في الجنوب الجديد ولم تزد أهلها الذين أشعلوها بأنفسهم حربا ، إلا مزيدا من الإقتتال والأذي والنزوح واللجوء والدمار والخراب والفرقة والشتات والإنقسام ، حيث طالت الفتنة الأسرة الواحدة فتفرق أفرادها يتقاتلون فيما بينهم وضد بعضهم بعضا حتي اليوم ..!. 
في الواقع لا زال الغموض يكتنف ملابسات (الكتمة) ولكن لا أعتقد إنها جاءت صدفة هكذا ..! ، بل كانت عملا مخططا له بعناية وقد بدأت إرهاصاتها تلوح في الأفق مع إرتفاع وتيرة التشاكس بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية الأم قبيل وبعد إنفصال الجنوب وفقا لطبيعة وتداخل المشتركات بين الدولتين وتقطعات مصالحهما في المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) وليست بذاتها بعيدة عن تداخل الأجندات وتقاطعات المصالح الداخلية والإقليمية والدولية .
كانت كافة المؤشرات تؤكد أن الكتمة هي الخطة (ب) للحركة الشعبية في حالة فشل مرشحها عبد العزيز الحلو للظفر بمقعد الوالي في جنوب كردفان في الإنتخابات المؤجلة مثلما فاز مرشحها مالك عقار بمقعد الوالي في النيل الأزرق ، ولذلك شاركت الحركة بوفد كبير من الجنوب بقيادة نائب الرئيس جيمس واني إيقا وربيكا قرنق وانضم اليهم شباب المشورة وآخرين من لمام المعارضة بالداخل لدعم الحلو ومآذرته .
وأعتقد كانت فلسفة إيقا من القصة الطويلة التي حبكها بعناية (سباق الضفدع مع الأرنب) عند تدشين حملة الحلو الإنتخابية بأستاد كادقلي كانت تعني أن التزوير هو الخطة (أ)  وإلا الهجمة وهي الكتمة الخطة (ب) وقد سمعناها لأول مرة تنطلق عبارتها (النجمة أو الهجمة) من داخل مطار كادقلي ، حيث رد علينا الحلو حينها في حضور أخيه هارون ، فقال إنها عبارة مرفوضة وليس لها مكانا علي أرض الواقع ..!.
في المقابل لم تنجح ثنائية (هارون والحلو) وتظاهر تمسكهما بالتهدئة ، بل بادل المؤتمر الوطني الحركة الشعبية بذات عبارات التصعيد (هارون أو القيامة تقوم ..!) ، ولذلك إنطلق مارسون الإنتخابات ساخنا تحت تهديد السلاح في مناطق سيطرة قوات الحركة فيما كانت تقود كوادر الحزب الشيوعي وقوي اليسار عمليات التزوير ، ولذلك لم تعترف الحركة بفوز مرشح الوطني هارون المنتصر بشق الأنفس بدعم المنافس الثالث تلفون كوكو أبو جلحة ، أخيرا أدركت الحكومة الخطر فحاولت جمع سلاح الحركة بالقوة بعد فوات الأوان ..!، فكانت إرهاصات الخطة (ب) قد تكشفت بصعوط الحلو الجبل متمردا وتوالت الوفود المركزية المشتركة والمنفردة لتدارك الخطر فأوفد هارون من يثق فيهم لمقابلة أخيه الحلو ولكنها محاولات باءت بالفشل مع وفد عرمان الذي أعطي (ساعة الصفر) ..!.
الأوضاع في مطار كادقلي كانت متوترة حينها ، فالترتيبات ليست ذاتها حيث جاءت المستشارة كوجا ممتشقة مسدسها ومتوشحة بزيها العسكري ومتوترة ليست كالعادة وكأنها مكلفة بمهمة إغتيال هارون الذي كان يغازلها ، غير أن المقربين من الرجل كانوا في حالة إستعداد ونصحوه بتوخي الحيطة والحذر ، فجاءت ساعة الصفر وأعطي عرمان الإشارة قبيل لحظات من مغادرته مطار كادقلي فوقعت (الكتمة) ..!.
علي كل كنت متخوفا ومتوقعا تجدد الحرب والتي شاهدت بوادرها أثناء تغطيتنا للإنتخابات ولذلك كنت علي إتصال مستمر بالوالي أحمد هارون وبالصديق تاو كنجلا مقرر لجنة الأمن وآخرين ، فأكد لي كنجلا وقتها مغادرته المطار في مهمة وعلمت من هارون إندلاع (الكتمة) ، فهرب كنجلا وكوجا ورمضان معا للحاق بالحلو ، رغم ذلك لم يتخذ هارون قرار الحرب لثلاثة أيام محاولا عدول الحلو عن قراره حتي إتهمته بعض قيادات الوطني بالتواطؤ .
أخيرا وقعت الحرب وأعلنها هارون (كتمت ، كتمت ، كتمت) فأصبحت نغمة يتداولها الناس فكانت الكتمة وتلك هي الخطة (ب) وقد جرت مياها كثيرة تحت الجسور ، فأصبحت المعارضة حكومة والمؤتمر الوطني خارج المشهد وهارون معتقلا ، ولكن لازال الحلو متمردا وأصبحت الحرب في مرحلة خطوات تنظيم فشلت دونها كافة جولات المفاوضات .
الرادار .. الاثنين السادس من يونيو 2022.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى