تأملات – جمال عنقرة – ال دقلو .. الطريق يمر من هنا

لا أذكر أني وجدت قريبا، أو حتى بعيدا، استحسانا واشادة بمقال كتبته مثل مقال “البرهان .. سيبك منهم كلهم” والذي دعوت فيه السيد البرهان أن يخلع كل ما عليه من ألبسة ورداءات، ويخرج للناس بعباءة الجيش وحدها، القائد العام للقوات المسلحة، ويتحرر من كل الذين حوله، ويبدأ وكأن شيئا لم يكن، وكأن الإنقاذ قد سقطت اليوم، ويبدأ فترة انتقالية مدتها عام واحد فقط تجري بعده انتخابات عامة شاملة حرة ديمقراطية نزيهة شفافة، يختار فيها السودانيون من يحكمهم، وكتبت في المقال تفصيلا لملامح بعض مطلوبات هذا العام، ولقد كتب كثيرون اشادات قوية بهذا الطرح، واعتبروه المخرج الوحيد الآمن لأزمة بلدنا الماثلة، وكان لبعضهم تحفظات معقولة، وأذكر أن واحدا اقترح أن يبقي البرهان علي زملائه العسكريين في مجلس السيادة، ويشكل معهم مجلسا عسكريا انتقاليا، واقترح ثان أن يذهب هؤلاء الأربعة السادة حميدتي، وكباشي، والعطا، وجابر، ويشكل البرهان المجلس العسكري من هيئة القيادة الحالية، وقادة الفرق العسكرية، واقترحت واحدة من الأخوات أن يذهبوا جميعا بمن فيهم الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ويتشكل مجلس عسكري انتقالي ممن هم دون أعضاء مجلس السيادة من العسكريين، ويقود هذا المجلس البلاد في عام الإنتقال الذي اقترحته، ويشرف علي الإنتخابات، ثم يلحقون بهؤلاء في الثكنات، أما التحفظ والذي أكتب هذا المقال بشأنه، فقد ورد من أحد القراء من الذين وقفوا مع ما ذكرت بقوة، لكنه يري أن المشكلة الكبيرة سوف تكون في ال دقلو، تحديدا سعادة الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع، وشقيقه الفريق عبد الرحيم قائد ثاني قوات الدعم السريع، ويري هذا القارئ أن ال دقلوا صاروا مثل شوكة الحوت “لا تتبلع ولا تفوت”
وأقول ابتداء أنني لا تجمعني أي صلة مباشرة مع ال دقلو، ولقد قابلت الرجلين، حميدتي وعبد الرحيم مقابلة مباشرة مرة واحدة فقط مع كل، فلقد قابلت السيد حميدتي في الأيام الأولى للثورة، عندما بعثنا الشيخ الياقوت الشيخ محمد الشيخ مالك شيخ الطريقة السمانية الخلوتية، نحمل دعوته لأهل السودان للالتقاء علي كلمة سواء، وكان معي الأبناء الأحباب الشيخ محمد نجل الشيخ الياقوت وخليفته، والشريف خليل غانم، والدكتور ياسر عبد الله عبد العاز، ورتب لنا لقاءه سعادة الفريق أول شمس الدين كباشي، وقابلناه في مكتبه بالقيادة العامة، ورحب كثيرا بالمبادرة، لكنه قال هناك مجموعة من رجال الأعمال تقدموا بمبادرة، ووعدوهم في المجلس العسكري خيرا، وطلب أن نمنحهم فرصة لعلهم يتوصلون إلى ما فيه الخير، وليته وليتنا لم نفعل، فذاك الطريق الذي فتحه هؤلاء هو الذي اوردنا وبلدنا موارد الهلاك، أما السيد عبد الرحيم فقابلته يوم إحتفاله بزواج كريمته وكان قد بعث لي ببطاقة دعوة شخصية نقلها لي زميلنا الحبيب أسامة عبد الماجد، فلما وصلت أحسن إستقبالي، وحرص علي مرافقتي حتى مكان الجلوس، ثم شكر لي حضوري ومشاركتي لهم أفراحهم، وهذا علي المستوي الشخصي، ولكن علي المستوي العام فإن سيرة ال دقلو معلومة للجميع، ولقد صار لهم شأن عظيم، ورغم وجود آراء متباينة في تقييم آل دقلو والدعم السريع، لكنني أعتقد أن ما صاروا له كسبا مشروعا، ولقد كان للدعم السريع دور كبير في المرحلة السابقة خلال فترة النظام السابق، وهو ليس قوة عشوائية، لكنه نشأ في كنف الدولة، وبموجب قرارات دستورية مشروعة، ثم كان له، وللشقيقين محمد وعبد الرحيم تحديدا دور كبير في صناعة التغيير في الحادي عشر من شهر أبريل ٢٠١٩م، وبموجب هذا الدور المعترف به من الجميع، صار السيد حميدتي الرجل الثاني في الدولة، ولم يقف دور السيد حميدتي في المنصب السياسي والتنفيذي والسيادي، لكنه صار له أيضا دور مجتمعي مرموق، ثم أن ال دقلو قد صاروا رقما اقتصاديا معتبرا في السودان، وفي غير السودان كذلك، وهم بهذا الوضع الجديد لم تعد تستوعبهم المؤسسات القائمة، سواء المنصب السيادي، ولا القيادي للدعم السريع، فبالنسبة للسيد حميدتي يطرح نفسه حاليا زعيما شاملا، ويتحدث كثيرون عن تطلعه لدور أعظم في المرحلة المقبلة، وليس خافيا الحديث عن تقديم البعض له مرشحا لرئاسة الجمهورية في أول انتخابات قادمة، ولقد شاع خبر قبل أيام عن تكوين حزب باسم السودان برعاية السيد حميدتي، وهذا أمر مشروع، ولكنه لا يتناسب مع موقعه الحالي قائدا لقوات الدعم السريع، وليس حميدتي وحده ولكن أيضا شقيقه عبد الرحيم قد تجاوز مرحلة قائد ثاني، أو حتى قائد أول لقوات الدعم السريع، والأفضل للسيد عبد الرحيم أن يتفرغ لقيادة مؤسسات ال دقلوا الإقتصادية التي صار لها شأن عظيم، وفي ذهاب آل دقلوا من الدعم السريع الذي اسسوه خير كثير لهم، وللقوات المسلحة، وللوطن كله، ولقد أشرت إلى فائدته الشخصية لهم، وهو يفيد القوات المسلحة بتمهيده الطريق لتوحيد كل القوات في جيش واحد، هو جيش الدولة والشعب، ولا يخفي علي أحد الآن المشكلات التي تنتج من تعدد الجيوش في السودان، لا سيما بعد عودة عدد من الحركات المسلحة للبلاد بعد سلام جوبا، وفي ذلك منفعة قومية كبيرة، لذلك أري في تحلل آل دقلو من الدعم السريع خير كبير لهم، وللجيش السوداني، وللوطن كله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى