أعتقد رفع حالة الطوارئ في السودان مقصود به مخاطبة نداءات المجتمع الدولي في المقام الأول إستجابة للضغوط داخلها من قبل مؤسساتها وجماعات الضغط واللوبيهات داخلها تلبية لأشواق جماعات تقاطعات المصالح في أمريكا وألمانيا ودول الترويكا ومن لف لفهم .
ولذلك جاء القرار جاء متسقا مع نداءات الآلية الثلاثية ومطلب رئيس البعثة الأممية (يونيتامس) فولكر بيرتس خاصة ، حينما قالها بقوة وكبرياء الرجل الحاكم الواثق الذي يريد أن يصنع القرار إنتصارا لسادته ، حينما قال (أشعر بعميق الغضب لمقتل إثنين من الشباب من المتظاهرين في الخرطوم مرة أخرى) جازما عن ثقة تؤكد أن (ظهره مليان) مؤكدا أن الوقت قد حان لوقف العنف .. وأضاف قائلا (حان الوقت لإنهاء حالة الطوارئ .. حان الوقت للخروج السلمي من الأزمة الحالية في السودان) .
ولذلك أعتقد رفع رئيس مجلس السيادة الإنتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ رسميا في كافة أنحاء البلاد بتوصية من مجلس الأمن والدفاع وإطلاق سراح جميع المعتقلين بموجب قانون الطوارئ بما لايتعارض مع القوانين التي تتعلق بقضايا أمن الدولة أو القانون الجنائي والسماح لقناة الجزيرة مباشر بمزاولة البث ، ولكن ثم ماذا بعد ..؟!
القرار بذاته كما يبدو جاء سدا للذرائع أمام أصحاب اللاءات (الثلاثة) التي إرتفعت (أربعة) ولكنها ليست نزولا لرغبة الحالمين من جماعة (أربعة) طويلة أو غيرهم بالعودة والإنفراد بسدة الحكم من جديد أو إحياء للوثيقة الدستورية التي أصبحت ليست مبرئة للذمة ، ولا يمكن لها أن تحكم الفترة الإنتقالية هكذا دون تعديل ، فالقرار ربما مقصود به لحد ما تلبية مطالب الثوار حسبما يتوافق مع تلكم الموجهات الخارجية .
بناء عليه لا أعتقد القرار مقصود به رفع حالة الطوارئ في كل أنحاء البلاد كما يتبادر للذهن ، وفي ذلك يلزم الجهات المسؤولة المزيد من التوضيحات ، وبناء عليه إعتقد الطوارئ المقصودة التي جاءت وفقا لقرارات البرهان الأخيرة 25 إكتوبر الماضي ، لا تشمل حالة الطوارئ المفروضة في البلاد سلفا منذ عهد النظام السابق في كل من دارفور وجنوب وغرب كردفان والنيل الأزرق والتي لازالت تشهد مظاهر للتمرد (الحلو ، عبد الواحد نور ، جوزيف توكا ، الريح محمود ، وغيرهم) من الحركات التي لازالت تحمل السلاح وفيها من إنسلخت (خلف دور) عقب توقيع سلام جوبا .
وبالتالي في تقديري تهيئة المناخ يحتاج لتهيئة الأجواء السياسية للمضي قدما بالحوار شاملا دون إستثناء لأحد إلا من أبي ..! وفي ذلك لابد من طي ملف حالة اللا دولة ..! في ظل التشاكس والإختلافات والتباينات التي أدت لتعطيل دولاب الدولة وتفشي ظاهرة المتاريس وقفل الطرق واصاعد عمليات التخريب الممنهجة والتي نراها قد تقود البلاد لخيارات صفرية ..!.
إذا لابد من إحكام القبضة الأمنية لبسط هيبة الدولة وليست بأي حال من الأحوال جعل البلاد مدعاة لإشاعة الفوضي في وقت تموج فيه الولايات بالنبرات العنصرية والجهوية والإقتتال القبليي ، في ظل علو كعب خطاب الكراهيه والتخوين وعدم قبول الآخر لمجرد أنه الاخر ..!.
علي كل فإن رفع حالة الطوارئ مقصود بها تنقية الأجواء الداخلية بغية الشروع في حوار مثمر وبناء وهادف يحقق الإستقرار لتكملة الفترة الإنتقالية إستعدادا للإنتخابات ، ولا يعني بأي حال ترك الحبل علي القارب لعودة (4 طويلة) لوحدها أو لنصرة (9 طويلة) أو إنحيازا لجماعة الموز أو الكيزان أو غيرهم ، بل فرصة لتوافق الجميع للإلتقاء علي كلمة سواء في رحاب الوطن الواحد وبالطبع ليست لبرطعة المتربصين وكيد الكائدين بالبلاد ..!.
فالقرار ليس لعلو كعب الحكم العسكري أو المدني منفردا بل فرصة لترتيبات دستورية تنظم العلاقة بين المدنيين والعسكريين، وبناء مؤسسات الإنتقال، وإعادة تشكيل مجلس سيادة جديد ، وإختيار رئيس وزراء من الكفاءات المستقلة ووزراء حكومة مستقلين أيضا ، وبالتالي تكوين مجلس تشريعي وتحديد برنامج احكم لما تبقي من الفترة الانتقالية للوصول إلى انتخابات حرة نزيهة ، يقول فيها الشعب كلمته بحرية ويختار من يمثله ويحدد كيفية حكم البلاد ليعيش أجواء الإستقرار والأمن والسلام ورغد العيش والخروج من دوامة اللا دولة ولا وطن ..!.
الرادار .. الإثنين 30 مايو 2022 .