من أعلي المنصة – ياسر الفادني – بقيت ظالم نسيت الناس !

بحسك جوه في أعماقي نور كلمات ، اجمل وأعذب ماخط يراع الشاعر السوداني الكبير مفردة والأنيق عبارة وهو المرحوم الشاعر مصطفي عبدالرحيم واهداها إلي الفنان القامة الراحل المقيم زيدان إبراهيم ، ولعل شاعرنا مصطفي عبدالرحيم كتب هذه القصيدة ذات التركيبة الجرسية الإيقاعية، وهي تعتبر من القصائد التي حشد فيها شاعرنا الثراء العاطفي الجاذب الذي إنداح مفردة عجيبة ذات نغم وشكلت روح جمال جديدة في الأغنية العاطفية ، مصطفي عبد الرحيم قل أن يجود به الزمان مرة اخري بدأ هذا الجمال :
صحي اتغيرت إنت خلاص
نسيت العشرة ياسيد روحي والإخلاص
بقيت ظالم ونسيت الناس..
يا لها من كلمات فيها السؤال الحائر الذي يبحث عن إجابة فيها شوق ووصف صادق للدواخل وفيها شكوي ولوم للذي يحب ، مصطفي عبدالرحيم تمثلت فيه خاصية التجديد والتحديث في المفردة الخاصة بالشجن والحب وفيها دفقة الحزن الظاهرة ، لعل أشعاره كانت ترجمة لحياته التي عاشها :
جنبك عمري كان املا مفرهد…. ياغرام الروح
زهور بتملا دنياي بالأماني تفوح
بعدك ياما بتألم حزين وانوح

الفنان الخالد زيدان إبراهيم هو من وضع اللمسات اللحنية والموسيقية لهذه الأغنية الجميلة العذبة، عكف عليها وكان آنذاك ثمة مقاطعة بينه وبين الملحن عمر الشاعر ، شهدت داره بالعباسية لحن هذه الأغنية وانجز في وقت قصير الكوبلي الأول وأكمل الكوبلي الثاني وأعجب مصطفي عبد الرحيم بذلك واستمر يلحن في المقطع الذي يبدأ بحسك في اعماقي نور كلمات …بحبك اه بحبك ولعل كلمة بحبك والآهة لم تكن مدرجة في القصيدة لكن أدخلها زيدان ولعلها كانت إضافة ماسية لعقد كلمات الأغنية وتكرارها جعلها ترسخ وتتوطن في قلب المستمع :
تغرد في حياتي غني وحروف حلوات ..بحبك
تنور لي دروب أيامي زي شمعات… بحبك
وتمسح في جبيني ضنا وتقش دمعات…بحبك
وكيف في لحظة داير قلبي ينسي الفات… لا لا ….بحبك
ويعيش بالفيهو من لوعة وأسي واهات …بحبك

زيدان إبراهيم في هذه الأغنية أظهر بشكل واضح إمكانياته اللحنية وبالذات في التوزيع الموسيقي الساحر وخاصة في البداية الموسيقية للاغنية التي إتخذ فيها عنصر التشويق اللافت وإضافاته المميزة التي اضفت علي جرس القصيدة جمالا فخيما ورخيما يسبر باغواره في الدواخل ، زيدان بصوته الندي أصبغ علي هذه الأغنية لونا شجيا من صوت وطربا دفاقا من نغم ومقبلات لطيفة وجميلة مثل الآهات التي أدخلها بعد كلمة(بحبك) وكررها واللاءات التي أدخلها ، كل هذه المحسنات المُشَكَلَّة دلت علي أن زيدان إبراهيم يمتلك ناصية الإبداع اللحني الفريد

ثنائية عجيبة جمعت بين مصطفي عبدالرحيم وزيدان إبراهيم الأول تميز بنسج الحروف في مخمل ظُرِّز من حرير الكلمات وبُطِّن بالمفردة الحزينة الجزلة وطُعِّم بحبات لؤلؤ الكلمة المفعمة بالجمال والالق النبيل ، الثاني يمتاز بخاصية الصوت الرائع وملكات اللمسة اللحنية التي يبدو أنها تخرج من خياله عصفا راقيا من نغم ومسحا عجيبا من دندنة ومحاولات ناجحة في الإضافة الشيقةغير المملة ، الأول حياته ترجمها في شعر والثاني حياته وضعها صوت واغنيات جميلة وخالدة ، الأول انزوي ومات كالبرق الخاطف بفداسي الحليماب ، الثاني توفي بداره في العباسية وترك لنا فنا خالدا .. ألا رحمهما الله وادامهما مع الخالدين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى