ابراهيم عربي يكتب : عودة ديجانقو ..!

الخرطوم : الحاكم نيوز
لا أعتقد أن قرار رئيس مجلس السيادة تفويض سلطات وصلاحيات للأجهزة الأمنية ومن بينها جهاز الأمن والمخابرات وعودته للمشهد بموجب قانون الطوارئ 2021 ، يعني بمثابة (عودة ديجانقو) لعهد الغلظة وكبت الحريات والإعتقال التعسفي ، وليس ذلك يعني فشل الشرطة أو تلكم الأجهزة الأمنية الأخرى في أداء دورها ورسالتها ، بقدر ما يعني ذلك عظم المسؤولية وأهمية دور الجهاز في هذا الوقت لتطور الأدوات والعدة والعتاد وتنوع الأساليب وعولمتها وتداخلات أجنداتها وفقا لتقاطعات المصالح الداخلية والخارجية .
المرسوم جاء بموجب قانون الطوارئ وليست الوثيقة الدستورية المعطوبة التي وصفها مالك عقار بالأسوا ما أنتجته الأفكار السودانية ، فالصلاحيات أعلاها منصوص عليها أصلا ضمن قانون الطوارئ وليس هنالك جديدا يذكر ، ولكن أعتقد فقط تم تعطيلها لتقاطعات داخلية حسب تفاهمات ما بين الثلاثي (البرهان وحمدوك وحميدتي) ، إذن تلكم الصلاحيات ليست أصلا سلطة أساسية بموجب القانون المنشئ للجهاز .
فالمرسوم يعيد سلطات كان يتمتع بها الجهاز  سابقا بموجب قرارات رئاسية ، فالإعتقال والحبس وتقييد حركة الأشخاص إذا منحة بموجب قانون الطوارئ وبالتالي تنتهي بنهاية أجل القانون وربما لا يتجاوز نهاية يناير المقبل مالم يتم تمديده أو تكوين حكومة كفاءات ومؤسسات تعطل صلاحيات المرسوم .
المرسوم جاء في وقت إختلت فيه الحصانات لا سيما حصانة ضباط وجنود القوات النظامية عند تنفيذ مهامهم وواجباتهم التي ينص عليها القانون وبالطبع هي ضرورية وأعتقد تحكمها ضوابط الوازع والضمير الأخلاقي أكثر مما تضبطها كوابح القانون والقيود الدستورية .
الملاحظ أن القرارات جاءت متلازمة لتنامي ظاهرة التفلت الأمني والإقتتال والإغتيالات بالمركز والولايات وإرتفاع وتيرة المظاهرات والتي ثبتت جلياً بالتجربة والبرهان من خلال متابعات مليونية 25 ديسمبر أنها تحتاج لتدابير أمنية ووقائية خاصة أكثر مما يتوفر للجيش والدعم السريع وربما الشرطة نفسها ، لا سيما في هذه الحالة التي نحن فيها وقد برز جليا مشاركة عناصر للحركات المسلحة لم توقع (متمردة) وعناصر غير سودانية ومخابرات إقليمية ودولية ودفع أموال وأدوات ومعدات خاصة لتمرير أجندات خاصة بتلكم الجهات ، جعلت جميعها المظاهرات بؤرة مناسبة لتنفيذ أجنداتها ..! .
فالمرسوم كان مهما في هذا التوقيت الذي أصبح فيه عدداً من ضباط وجنود الأجهزة الأمنية والشرطية خارج الخدمة ، تمت إحالتهم للصالح للعام أو للتقاعد ، وبعضهم الآخر موقوفين وآخرين في الحبس لاكثر من عامين بتهم تتعلق بمهامهم الموكلة إليهم بموجب القانون في ظل مطالب الثورة من خلف أساليب الشيطنة وعويل وصراخ قيادات شتات الأحزاب التي لا أري إنها تستحق أن توصف بالوطنية إلا قليلا ، وبالتالي فإن تفويض السلطات والصلاحيات في هذا التوقيت تعني إستشعار الخطر بسبب غياب دور الجهاز الذي تكاثرت عليه السكاكين للذبح بشفرة حادة ولنا في العراق والسودان جهاز أمن مايو أسوة وعبرة في وقت تطبخ فيه السيناريوهات للسودان داخل الغرف المظلمة  . 
بلا شك أن مستجدات الساحة وتطوراتها (أمنيا وسياسيا وإقتصاديا ومجتمعيا) لا سيما السلوك المجتمعي الهدام (العام والخاص) وتزايد نشاط  المخابرات الأجنبية التي وصلت بها الجرأة للمشاركة في الشأن الداخلي من مظاهرات وغيرها والنشاط الهدام والفاعل وسط المجتمع لعناصر الحركات التي لم توقع علي السلام فضلا عن النشاط الكبير للعمالة والإرتزاق والتلاعب بقضايا ومقدرات الوطن ، علاوة علي تنامي ظاهرة (الأناركية) الخطر المحدق بالبلاد ، جعلت جميعها وغيرها الحاجة القعلية لتفعيل هذا المرسوم .
ولكن ليس تفويض الصلاحيات للجهاز مع أقرانه لقمع الشباب أو عمل ضد الثورة وضد أيقونته (حرية ، سلام وعدالة) ، فالمتابع يجد أن الجهاز أصلا كان يقود الحراك في عهد النظام السابق علي طريقته الخاصة (الهبوط الناعم) بحسبات وتقديرات أيضا خاصة يمسك بها الجنرال صلاح قوش نفسه ولذلك أعتقد سقط النظام السابق بتحالفات من الداخل وقد تضافرت في ذلك عدة عوامل ومطلوبات يقودها المايسترو قوش بنفسه مع رفاقه في اللجنة الأمنية وجميعها ليست بعيدة عن لجنة إدارة الأزمة فحدث ما حدث .. !.
علي العموم يعود الجهاز للواجهة وهو يفتقد دون الآخرين ، مؤسساته المالية والإقتصادية القابضة ، وبل يفتقد خيرة كوادره (هيئة العمليات) تماما كما يفتقد مصادره وعملاءه بالخارج والداخل ، وبل يفتقد أسانه أنيابه وأضراسة ، بالطبع يعود ولكن لا أعتقد إنه قادر علي السيطرة علي الأوضاع كاملة في ظل المتغيرات الداخلية الداخلية والخارجية ، وبل لا أعتقد أن يكون قادرا حتي علي مواجهة أصدقاء الأمس أعداء اليوم من العملاء والخونة الذين إستعان بهم وجندهم لخدمة أجندته بذات القبضة ، وحتما سيجد الجهاز أن الشارع كاره له ورافض لعودته لممارسة عمله ، ولذلك نتوقع أن تحدث مواجهات قد تساعد الذين يتربصون بالسودان لخدمة اجندتهم .
فالمسالة أكبر من مجرد مرسوم هكذا تتباين المواقف حوله وأعتقد تلويح حمدوك بإستقالته كان إستشعارا بالخطر المهدد لسلطته الفاشلة ولن ينجح الرجل أصلا ليفشل ، وبالتالي يصبح وجود حمدوك أو ذهابه وعودة الجهاز ووجود بعض عناصر الحركات المسلحة وفي ظل تدخل بعض الدول في الشأن الداخلي سويا معادلة عكسية في كل الحالات ، وربما تدخل البلاد بسببها في فوضي خلاقة تقود لإنقلاب حذر من رئيس (يونيتامس)  فوكلر بيرتس والذي سيذهب هو الآخر سويا مع حمدوك غير مأسوف عليه إن ذهب الأخير ..! .
الرادار .. الإثنين 27  ديسمبر 2021 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى