عبد الناصر سلم يكتب : التفلتات الأمنية وتخوين الاجهزة النظامية تفتيت الدولة السودانية

 

مايحدث من تفلتات هذه الايام في العاصمة الخرطوم دفع الكثيرين للحديث عن
تراجع دور الاجهزة الأمنية خلال الفترة الانتقالية وضعف مسؤوليتها تجاه
مايحدث من سيولة امنية في البلاد وانتظمت بعض مواقع التواصل الاجتماعي
حملات بضرورة إقالة فلان وتعيين علان باعتباره الحل للقضية وفق فرضية ان
هنالك تواطؤ من شخص معين او جهة محددة لنشر الفوضي وتصوير الحكومة
التنفيذية بمظهر العاجز وهذا طبعا تفكير غريب وسطي ولايمت للواقع بصلة
ولكنه ليس بمستغرب فهناك من يحاول زرع الفتنة بين المنظومة الأمنية في
البلاد والمواطنين منذ بداية الفترة الانتقالية وحتى الان لذلك نستعرض
جزء من الأزمة السياسية والأمنية لارتباطها مع بعضها البعض   .

التفلتات هذه ليست في العاصمة وحدها بل الولايات تشهد نزاعات قبلية
واشكاليات منذ فترات طويلة ولكن يبدو ان الحديث يتزايد عندما يسمع صوت
الرصاص وتنهب الأموال وتنتهك الأعراض بالعاصمة حينها توجه سهام النقد نحو
الاجهزة الامنية رغم ان الوضع عام ربما لانها العاصمة من الطبيعي ان
يشتكي سكانها من التفلتات الامنية كنا نتمني ان يطالب المواطنين جميعا
بوقف العنف القبلي والقتل يتوحد السودانيين جميعا لنبذ العنف كما حدث
ايام الثورة وصدحت اصوات الثوار كل البلد دارفور لابد ان تكون هنالك لحمة
وطنية اذا اشتكي جزء من الوطن تداعي له الكل بالسهر والحمى هذه المقدمة
التي سقناها ليس لانتقاد المواطنين وتبرئة الاجهزة الامنية ولكن تاكيد ان
الوضع اصبح واحد في معظم الولايات وتأكيد علي ان هذه حملة منظمة ضد
الاجهزة الامنية عموما يمكن ان نستعرض أسباب هذا التراجع علي مستوى الأمن
.

نبدأ حديثنا اقدم واعرق الاجهزة الأمنية وهو قوات الشعب المسلحة
السودانية التي ارتبط اسمها بالشعب كدليل علي تدخلها في حل الإشكاليات
الأمنية والسياسية منذ الاستقلال وحتي الان فكثيرا ما كانت ولازالت من
اكثر الجهات التي يثق فيها السودانيين فكان الهتاف التاريخي جيش واحد شعب
واحد لدورها في السلطة وانحيازها للشعب رغم ماقيل عن وأدها للديمقراطيات
والانقلابات العسكرية التي شاركت فيها الاء ان هدفها كان الحفاظ علي
السودان وماحدث من فساد وممارسات غير ديمقراطية تحسب علي الأفراد وليس
علي المؤسسة التي لجأ إليها الشعب كثيرا وآخرها في ثورة ديسمبر.

نُزكر الذين يسبون القوات المسلحة مع كل حادث ان الثوار  حاولوا
الاعتصام ابان العهد البائد امام مجلس الوزراء والقصر الجمهوري بل حتي
البرلمان ولكنهم فشلوا فكان ان لجأوا للقيادة العامة للجيش التي
استقبلتهم في “6” ابريل حتي سقوط نظام البشير في “11” أبريل.

ولكن لم يستمر شهر العسل طويلا بين المؤسسة العسكرية والقوى السياسية
المدنية بسبب التفاوض علي شكل السلطة وبعدها جاءت قضية فض الاعتصام وحدثت
مناوشات كثيرة واتهامات وتخوين للجانب العسكري وبات هنالك حالة من العداء
بين بعض الثوار والجيش ولازالت تداعيات هذا الامر مستمر فكلما حدثت مشكلة
أمنية يتم إلقاء اللوم علي الجيش واخرها المشكلة التي حدثت في منطقة سوبا
بين أفراد من الحركات الموقعة علي السلام والشرطة رغم ان الحادثة معزولة
منذ توقيع اتفاقية السلام وحتي الان لم تحدث حوادث جماعية كبيرة اللهم
الاء هذه الحادثة وأخرى تخص أفراد لحركة تمازج تشاجروا فيما بينهم في
منطقة بري .

الاوضاع في البلاد لاتتحمل تبادل الاتهامات وتحميل جهة محددة التفلتات
الامنية الجيش هو الجيش وسيظل كذلك يؤدي رسالتة في كل مكان في الفشقة
وعلى الحدود المختلفة قد تحدث مشكلة هنا وهنالك ولكن لايجب ان تضخم
الاشياء لدرجة التخوين بأن الجانب العسكري يقصد هذه التفلتات الأمنية
للانقضاض علي الفترة الانتقالية التي يرأسها البرهان نفسة هل يستقيم هذا
عقلاً وهل الجيش لايدرك مالات حدوث انقلاب آخر يُعقد الفترة الانتقالية
اكثر مما هي عليه الان .

في الجانب الاخر يجب ان يتذكر المواطنين شي هام هو تقليص دور جهاز الأمن
الذي أصبح حاليا جهاز لجمع وتحليل المعلومات فقط ويتبع لمجلس الوزراء
بحسب مطالب الثوار انفسهم حيث تمت ترجمة المطالب في الوثيقة الدستورية من
الواضح ان هذا الامر كان فيه خطأ كبير يجب ان نعترف به تقليص جهاز الأمن
بهذا الحجم خلق إشكاليات كبيرة في البلاد من الناحية الامنية والاجتماعية
والاقتصادية اصبحت البلاد بلا هيبة لانريدة جهاز أمن يقمع الحريات ويحمي
السلطة فقط ودونكم تجربة حل جهاز الأمن الخارجي في العام 1986 وما صاحبها
من إفرازات يجب ان نستفيد منها في مستقبلنا وحاضرنا .

ولكن في المقابل كنا نتطلع لجهاز استخبارات يساهم في الامن والاستقرار
نقولها بصراحة لو كان جهاز الأمن يعمل بجزء فقط من صلاحياته القديمة كنا
سنتلافي الكثير من المشاكل حتي هيئة العمليات تصفيتها بهذه الطريقة وما
صاحبها من احداث فيه نوع من عدم التقدير كان يمكن ان نستفيد من أفراد
هيئة العمليات في مهام مختلفة بعد تغيير القوانين الخاصة بهم نقولها
بصراحة غياب جهاز الامن اضعف الدولة وليس الحكومة وقلل من هيبتها علي
كافة المستويات رضي من رضي وابي من ابي .

وفي الجانب الاخر نجد ان  قوات الدعم السريع نالت النصيب الأكبر من النقد
وكانت الجرائم تنسب اليها حتي قبل ادانتها وتمت عملية تشويه متعمدة
لصورتها كأنما هي سبب كل مشاكل السودان وتناسي الجميع دورها في الحرب
وابان العهد البائد ضد حركات الكفاح المسلح فهي جهة مدربة ومحترفة
وافرادها لديهم قسم بالدفاع عن الوطن وعندما جاء السلام تلاقي أفرادها مع
اعداء الامس في الوطن الذي يجمعهم هو الوطن وتفرقهم ايضا الوطن .

نعم هنالك انتهاكات ارتكبت بواسطة أفراد يتبعون للدعم السريع بعض قضاياهم
في المحاكم وبعضها تم حله وديا وهنالك قضايا تمت محاكمة المذنبين بواسطة
قيادة الدعم السريع نقول ليس من العدل شيطنة هذه القوات ودمغها بكل هذه
الاتهامات وهي التي انحازت مبكرا للثورة السودانية وساهمت مع الاجهزة
الاخري في حفظ الأمن والاستقرار طوال الفترة الماضية وما جرى في قضية فض
الاعتصام تقرره الجهات العدلية والقانونية المختصة .

الشرطة ايضا باتت ضمن دائرة الاستهداف لمنسوبيها وقيادتها رغم انها كانت
الأقرب للمواطن ولكن تراجع الوضع الأمني جعل الشرطة ايضا محل نقد هدام
دون مراعاة لواقعها لم نسمع احد من المنتقدين يطالب بتحسين اوضاع الشرطة
وزيادة مرتبات منسوبيها وتوفير حماية قانونية لأفرادها كما يقال فاقد
الشئ لايعطيه ولكن رغم ذلك رجال الشرطة يجتهدون وكسروا هذه القادة
بتضحياتهم الكبيرة فقط يتطلعون لدعم نفسي ومعنوي من المواطن بدلا من
التشكيك والنقد رفع المعنويات يطغي علي كل شي ويمكن ان يقوموا باكثر من
واجبهم اذا احسوا ان الشعب معهم.

ختاما نقول المجموعات المتفلتة او ما يعرف بالنقرس ليست مسيسة ولا وراءها
جهة محددة كما يحاول ان يؤكد البعض ذلك هؤلاء ضاقت بهم سبل العيش نتيجة
الأوضاع الاقتصادية واستغلوا الهشاشة الأمنية في البلاد ولكن هنالك من
يتربص بالاجهزة الأمنية ليحملها المسؤولية مامن دولة لاتحدث فيها تفلتات
حتي امريكا سيدة العالم ولكن لابد ان يتفهم الناس الوضع الحالي ولا
يحكمون علي الأحداث بمنظور يصدرون احكام ظالمة حتي قبل استماع للحيثيات
يجب ان ندعم ولو معنويا من يوفرون الأمن والاستقرار حتي يؤدي واجبهم علي
أكمل وجه ويتناسون ظروفهم الصعبة من ضعف المرتبات والإمكانيات..

 

 

مدير برنامج شرق افريقيا والسودان وكبير الباحثين في فوكس للدراسات السويد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 + خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى