عثمان ميرغني يكتب : ”حريق الشرق.”

بالسيناريو ذاته الذي أشعل حريق دارفور؛ تتوالى أحداث مؤسفة في مدينة بورتسودان. أمس الأول بينما مواطنون أبرياء يتمتعون بالتلاقي الاجتماعي في نادي “الأمير” بحي “سلبونا” إذا بقنبلة “قرانيت” تُلقى على المكان فتقتل ثلاثة، ثم يُطلق الرصاص في الشارع فيقتل إمرأة.

لم تكن الحادثة الأولى، ففي الأيام الماضية استمرت أحداث القتل والعنف في أحياء أخرى من بورتسودان، وقُتل رجل بعد إنزاله قسراً من حافلة المواصلات وألقيت جثته في عرض الطريق.

وطبعاً لا أحد ينسى الأحداث الدموية القبلية خلال الشهور الماضية والتي استوجبت إعلان حالة الطواريء لفترة من الوقت ثم فرض إجراءات استثنائية في بعض المناطق.

و جربت الحكومتان الولائية والاتحادية كل الحلول الأمنية، أرسلت في مرات سابقة قوات من الجيش ومن الدعم السريع إضافة إلى الشرطة، لكن الترتيبات الأمنية كانت أشبه بتناول حبة “بندول” مسكنة حالما يزول أثرها يعود الوجع وربما أشد مما كان..

السؤال الحقيقي الذي لم يجد إجابة رسمية حتى الآن، ما هي الجهة التي تلعب بالنار في الشرق؟ ومن يقف وراء المخطط الخطير لزرع الألغام في أكثر الأماكن أمناً وسكينة في السودان، ظلت طوال عمر السودان هادئة بل وتحولت إلى منتجع سياحي كبير يقصده السودانيون في موسم الشتاء. ما الذي تغير؟ وماذا يحدث بالضبط؟

نظرية المؤامرة و الحديث الفضفاض بعناوين عريضة تتهم بعض الخارج وبعض الداخل لا يكفي، فمهمة الأجهزة تحديد المسؤولية الجنائية المفضية إلى المحاسبة والعدالة.

لكن في المقابل، فإن الحل النهائي لهذه التراجيديا ليس في كنف الإجراءات الأمنية، صحيح لا بد من فرض الأمن بالقوة وحماية المواطنين في كل مكان، لكن تلك مهمة مستمرة للقوات النظامية لا ترتبط بحادثة أو عندما تلتهب الجراح الأمنية، فالمطلوب ترفيع “الأمن” إلى “الأمان”.

“الأمان” هو حالة استقرار نفسي في المقام الأول يجعل كل مواطن قادر على ممارسة الحياة السليمة حتى في حال حدوث جرائم كبيرة.. ففرق بين أن تشهد مدينة حادثة قتل بشعة يهتز لها وجدان المواطنين لكنهم يمارسون عملهم العادي، وبين أن يسري في المجتمع إحساس وخيم بالخوف حتى دون رصد جرائم صغيرة أو كبيرة.. الخوف إحساس وليس حالة.

شرق السودان منطقة شاسعة، تمتد من أقصى جنوب القضارف إلى أقصى حدود السودان الشمالية الشرقية، عظيمة الموارد وقليلة السكان، لكنها عبر التاريخ ظلت بلا تنمية يعاني سكانها شظف العيش والخدمات والمرض وفقر الحال. ومع ذلك ظل سكان الشرق يمارسون الصبر الجميل عبر عقود طويلة، لكن الصبر لم يبدل الحال بل زاد من المعاناة.. والأنكد الآن أن سكان الشرق تحولوا إلى مجرد مطية سياسية لمن استطاع إليها سبيلاً. الولاية الوحيدة التي لا تتمتع بحاكم حتى اليوم هي كسلا.. والوزارة الوحيدة التي تركت شاغرة هي نصيب الشرق في القسمة والنصيب، وزارة التربية والتعليم.

الحل السياسي يحتم أن لا صوت يعلو فوق صوت التنمية والنهضة، وأن تكون العلاقة مباشرة بين الحكومة (الاتحادية والولائية) والمواطن، بين كفتي الحقوق والواجبات.. فيعلم المواطن في شرق السودان بصورة واضحة نصيبه من التنمية و متى؟

غياب العشم في المستقبل يشعل الحاضر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى