حديث المدينة – عثمان ميرغني – ”حجب الصحف السودانية!!”

لا أحد يفهم الخطوة التي أقدمت عليها السلطات أخيراً، حجب المواقع الإلكترونية بما فيها الصحف المعروفة.. ولا أريد هنا أن أسمي موقعاً أو صحيفة حتى لا يبدو الأمر احتجاجاً خاصاً فالأمر خطير للغاية من الزاوية الأخرى التي تتعلق بالمباديء عموماً وليس فقط حرية التعبير على وجه محدد.

كل النظم السياسية التي حكمت السودان – حتى ولو حكمت لساعة واحدة – جاءت ومن البيان رقم واحد تحمل حيثيات مبدئية “أخلاقية” تبني عليها شرعية الحكم حتى ولو جاء على ظهر دبابة..

والذي يراجع البيان رقم واحد للفريق إبراهيم عبود الذي جاء بعد المارشات العسكرية صبيحة 17 نوفمبر 1958، ثم البيان رقم واحد للعميد جعفر نميري في صباح الأحد 25 مايو 1969، ثم البيان رقم واحد للرائد هاشم العطا في عصر 19 يوليو 1971 بل وحتى البيان الذي ألقاه المقدم حسن حسين صباح 5 سبتمبر 1975 في انقلاب لم يستمر لأكثر من ساعة واحدة.. ثم انقلاب 30 يونيو 1989 كلها بنت حيثيات القفز للسلطة على مبادئ”أخلاقية” مثل العدالة والنزاهة والاستقامة ووحدة البلاد و رفع الضنك عن الشعب السوداني.. لكن ما أن تسطع شمس السلطة وترتاح الجلسة فوق المقاعد الوثيرة بالقصر الجمهوري حتى يتغير الحال والخطاب واللغة.

ثورة ديسمبر رفعت شعار “حرية سلام وعدالة” وهو ليس اختراعاً مذهلاً.. تختلف المفردات لكن تظل هي ذات ما ترفعه الحكومات الانقلابية التي أتت على ظهر دبابة.. ويبقى الفرق الوحيد الذي يميز الحكم الدكتاتوري من النظام الديموقراطي هو في أصالة الشعارات التي تتحول إلى منهج حكم وعقلية ممارسة سياسية مستمرة، فلا تذوب الشعارات مثل الشمع تحت هجير شمس السلطة.

مع أحداث 30 يونيو الماضية فوجئ الشعب السوداني بنفحة من ريح النظام البائد تهب على الصحافة .. قرار لا يعلم أحد من أصدره – وإن كان معلوماً من نفذه – بحجب مواقع إلكترونية بعضها لصحف معروفة.. وحجب المواقع الإلكترونية في هذا العصر ليس أكثر من إشهار منهج وعقلية حكم فهو لا يؤثر عملياً على المواقع لأن المتصفحين لشبكة الإنترنت يعلمون جيداً كيف يتخطون الحجب ويصلون إلى المواقع محجوبة.. بل تبدو عملية الحجب أقرب للدعاية والترويج للمواقع المحجوبة … على الأقل من باب كل ممنوع مرغوب..

الخوف على الثورة السودانية الشامخة لم يعد من نظام قديم ثبت أنه مات وشبع موتاً.. بل من نظام جديد يحمل الجينات ذاتها.. وإن كان في طور اليرقة حالياً..

أيهما أخطر على الثورة.. من يضربها تحت الحزام من داخل عرينها… أم عدو خارجي معلوم ومكشوف في العراء؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى