شرف الدين أحمد حمزة يكتب : السودان ومصر_منظورات جديدة للعلاقات(تحديات البقاء والنماء)(3)

الخرطوم الحاكم نيوز

كان الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات يميل إلي قضاء مساحات واسعة من الوقت في الإستراحات الخاصة برئاسة الجمهورية معاقرا غليونة(البايب)مسترخيا ومرتديا لجلبابه وعباءة إبن البلد كما هو حال أبناء البلد في الريف المصري،حيث يستغرق في تأملاته العميقة وعمليات الإستبطان الذاتي حيث تنطلق الذات محلقة في فضاءات تحرر الأفكار وتنطلق فوق المألوف من قيود ومعوقات ماهو مألوف من أنماط التفكير التقليدي ودوائره المغلقة.
وضمن هذه الحالة الرئاسية للسادات خاصة بعد أن تحقق له الإنتصار الكبير على الجيش الإسرائيلي في العاشر من رمضان الموافق السادس من أكتوبر عام 1973وعبور قواته المسلحة إلي الضفة الشرقية لقناة السويس ودكها لخط بارليف المنيع وتدفق القوات إلي عمق صحراء سيناء بدأ الرئيس السادات مرحلة جديدة بعد أن تغيرت كيميائه النفسية وبدأ في إرتداء الزي العسكري الجديد للقيادات العسكرية والذي يشابه بل ويماثل أزياء الزي العسكري للقادة الألمان بنصف”ياقة”للجاكت فضلا عن”البنطال”العسكري المنفوش من أعلى مع ضيق عند أسفل الساقين،وكان هذا في تقديري الشخصي من تداعيات هذا الإنتصار العسكري الكبير ورغبة الرئيس في القفز بصورة العسكرتاريا المصرية إلي عكس الصورة لما كان عليه الحال في الأيام السوداء للنكسة وأهوال حرب الإستنزاف.

■ضمن هذه الحالة النفسية والمعنوية للرئيس هرع السادات وسافر ليقضي أياما بإستراحة رئاسة الجمهورية بمحافظة أسوان أقصى جنوب القاهرة_وفي جلسة صباحية ذات شتاء مشمس وجه الرئيس بإستدعاء كامل فريق أعضاء مجلس الأمن القومي المصري في عجالة لإجتماع هام وغير تقليدي.
فاجأ الرئيس السادات أعضاء فريق مجلس الأمن القومي بأنه قرر زيارة عاصمة العدو الإسرائيلي ليقطف ثمار الحرب وليبدأ مرحلة وضع لبنات للسلام الدائم مع إسرائيل وبدأ متحمسا لوجهة نظره المفاجئة لجميع أعضاء المجلس وأضاف بأنه سيفاجئ القيادة السياسية في إسرائيل بهذا الطلب وعلى رأسهم زعيم حزب الليكود المتشدد رئيس الوزراء “مناحيم بيجين”_ولم يتوقف السادات بل أضاف أنه سيعلن ذلك على العالم أيضا ضمن خطابه بعد أيام في مجلس الشعب المصري.
إضطرب أعضاء مجلس الأمن القومي المصري وبدأوا في إبداء وجهات نظرهم وعن ردود الفعل العربية والإسلامية والدول الغربية والآسيوية المتعاطفة مع الحق الفلسطيني وغير ذلك من الجوانب المتعلقة بهذا القرار المفاجئ والذي من شأنه أن يقلب الأمور رأسا على عقب ليس في مصر وحدها لكن الرئيس دافع عن مبررات قراره بضراوة وإن كانت قد برزت وجهات نظر معارضة لقراره ومضادة لمبرراته من بعض أعضاء مجلس الأمن القومي خاصة من الدبلوماسي محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية المصري.

■وضمن خطابه الموعود في اليوم المشهود بمجلس الشعب المصري وبحضور الزعيم الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات الذي تصادف وجوده بالقاهرة في زيارة رسمية حيث صعد الرئيس السادات إلي المنصة وبدأ خطابه((بسم الله))بطريقته المعهودة وبصوته العريض النبرة مقعدا للحروف والكلمات في مواضعها لإرسال رسالته بوضوح متدرجا في الوصول إلي فكرته الأساسية التي حملها خطابه ذاك الأشهر حيث أشاد بالجيش المصري الباسل وحيا الشهداء في جميع الحروبات مع إسرائيل وحيا الأمة العربية والإسلامية في دعمها المقدر للقضية العربية وتدرج بقوله أنه بات ينشد السلام متمنيا أن تكون حرب أكتوبر هي آخر حروبات الجيش المصري وأنه يهدف إلي كسر ما أسماه بالحاجز النفسي والمعنوي بينه وبين إسرائيل وأنه في سبيل ذلك بات مستعدا لزيارة إسرائيل ومخاطبتهم في عقر دارهم في الكنيست”ذاتو”_لاحظ لفظ “ذاتو”هل جيناته السودانية_ومضى ليقول أنه في إنتظار دعوة رسمية من حكومة إسرائيل وأنه على كامل الإستعداد لتلبيتها!!!
وبعد إنتهاء الخطاب أبدى الزعيم الفلسطيني غضبه الشديد مما جاء في الخطاب وقال باللهجة الشعبية بأن ((الراجل لبسني القفة))إذ لم يكن على علم أو دراية مسبقة بهذه القنبلة التي ألقى بها السادات ليس في وجهه وأمام ناظريه وفي حضرته بل في وجه الشعب المصري والعالم أجمع بما فيه الشعب والحكومة الإسرائيلية وخرج الشهيد الزعيم ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية من قاعة مجلس الشعب المصري إلي مطار القاهرة مغادرا.

■لم يستغرق رد الحكومة الإسرائيلية على أطروحة الرئيس السادات وقتا طويلا حيث رحب”مناحيم بيجين”رئيس الوزراء الإسرائيلي عام 1977بزيارة السادات إلي “تل أبيب”وأرسل بدعوة رسمية للرئيس السادات بهذا المعنى.
كان الرئيس السادات يتوق لأن يزور الرئيس الأمريكي جيمي كارتر مصر لمعاضدة موقفه على الصعيدين الداخلي والخارجي ولهذا فقد إستحث السادات”زيغيو بريجنسكي”مستشار الرئيس الأمريكي كارتر للأمن القومي والمعلومات والذي كان في زيارة للقاهرة على إقناع الرئيس الأمريكي كارتر لزيارة القاهرة حيث “أسر”له الرئيس السادات بضرورة إبلاغ الرئيس كارتر بأن لديه((حلا سحريا سريا))من شأنه إقناع الحكومة الإسرائيلية على موافقته بل والمضي معا في ترتيبات السلام بالشرق الأوسط.
وتم إستقبال الرئيس الأمريكي جيمي كارتر إستقبالا شعبيا أسطوريا أدهش الأمريكان أنفسهم وعندما إختلا الرئيس الإمريكي بالرئيس السادات سأله عن فحوى(السلاح السري السحري)الذي أبلغه إياه مستشاره لشئون الأمن القومي والمعلومات عقب زيارته للقاهرة فأسر له الرئيس السادات بأنه يفكر جديا بإمداد إسرائيل بحصة من مياه النيل ضمن إتفاق السلام الشامل في الشرق الأوسط الذي يرغب في بحثه مع حكومة”مناحيم بيجين”رئيس وزراء إسرائيل،وإندهش الرئيس الأمريكي جيمي كارتر من هذا الحل السحري السري الذي أسر به له الرئيس السادات الذي بادر السادات بقوله أنه يعرف طريقة تفكير”مناحيم بيجين”وتصلب مواقفه وأضاف أنه لا يعتقد بأن هذا الحل السحري السري سوف يكون كافيا لتليين المواقف المتشددة لرئيس الوزراء الإسرائيلي!

■ومضى وقت غير طويل والأحداث تتسارع وقام السادات بتشكيل وفده المرافق لزيارة إسرائيل ومن بينه الرجل الغامض “حسن التهامي”العضو الوحيد المتبقي من ضباط ثورة يوليو1952بجوار السادات وهو الرجل المصاب بالوسوسة وإدعاء الغيبيات ومشاهدة نبي الله الخضر وهو الذي سبق أن قص وأسر للرئيس السادات برؤيته المنامية التي رأى فيها الرئيس السادات يصلي في المسجد الأقصى وهو بجواره وعددا من المسئولين المصريين وكان السادات يظن أن الرجل أي حسن التهامي(مكشوف عنه الحجاب) لكن الأستاذ /محمد حسنين هيكل وكتاب الرأي السياسي ورجال السياسة في مصر كانو يرون أن “حسن التهامي”رجلا موسوسا حيث أنه كان لاحقا أثناء مباحثات الرئيس السادات في كامب ديفيد ” يتمتم ويهمس”وفي يده مسبحة صغيرة ويشير إليهم بين الفينة والأخرى في جلسات الإستراحة أن نبي الله الخضرقد مر من أمامه وقد تبرم من مقولاته تلك د.بطرس بطرس غالي وزير الدولة للخارجية المصرية وشكاه للرئيس السادات حيث تبسم السادات في وجه د.بطرس بطرس غالي الذي كان قد تم تعيينه ولأول مرة وزيرا للدولة للخارجية بدلا عن محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية المصري الذي رفض السفر مع الرئيس السادات إلي إسرائيل في لحظة حرجة حيث الوفد المرافق للرئيس بمطار الإسماعيلية يتأهب لمغادرة الأجواء المصرية إلي تل أبيب حيث تقدم بإستقالته مما أضطر الرئيس ووفده لتأخير الرحلة لبعض الوقت لحين تدبير تعيين خلفا له للسفر ضمن الوفد الرئاسي وقد أفاض السيد/محمد إبراهيم كامل عن هذه اللحظات الحرجة ضمن فصول كتابه بعنوان(كامب ديفيد والسلام الضائع)
نواصل بمشيئة الله،،

*شرف الدين أحمد حمزة*
0114541743

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى