شرف الدين أحمد حمزة يكتب : في الذكرى 52لثورة 25مايو الإشتراكية 1969 (لكي لا ننسى) -الأخيرة

الخرطوم: الحاكم نيوز
تغرقت قيادات وكوادر الحزب الشيوعي أيدي سبأ في طرقات وأحياء وأزقة العاصمة وأحياءها بحثا عن أماكن للإختباء بعد أن إستمعوا لحديث الرئيس اللواء جعفر نميري عبر الإذاعة والتلفزيون وتحيته للشعب السوداني وإعترافه بجميل الشعب الذي رفض الإنقلاب الشيوعي التصحيحي وتوعده بالمحاكمات العسكرية العاجلة والعادلة لقائد الإنقلاب وقيادات الحزب الشيوعي السوداني وكوادره العسكرية والمدنية المشاركة في الإنقلاب،وقد ضاعف من خوف هذه القيادات وصول الطائرة العسكرية الليبية التي تقل رئيس الإنقلاب التصحيحي العميد بابكر النور سوار الدهب والرائد فاروق عثمان حمدالله عضو مجلس قيادة ثورة الإنقلاب التصحيحي للخرطوم وإيداعهم للإعتقال برئاسة سلاح المدرعات بالشجرة مقر محاكمة الإنقلابيين.
كما زاد من روعهم وخوفهم وصول أسراب الطائرات العسكرية التي أقلت كتائب الجيش السوداني التي كانت مرابطة على جبهة القتال مع العدو الصهيوني بقناة السويس والتي رافقها من مصر اللواء خالد حسن عباس وزير الدفاع الذي كان في زيارة رسمية لجمهورية مصر العربية لتفقد هذه القوات.

لم يمض وقتا طويلا حتى تم الإعلان عن إعتقال قائد الإنقلاب الشيوعي التصحيحي الرائد هاشم العطا والذي كان يرتدي جلبابا فوق بزته العسكرية إمعانا في التخفي بالقرب من مقابر فاروق بضاحية العمارات حيث لم يحتمل أي كادر شيوعي إتجه للإستنجاد به مهمة إيوائه تحت هذه الظروف المرعبة،لكن عبد الخالق محجوب سكرتير عام الحزب الشيوعي فقد أفلح تنظيم الضباط الأحرار بخلاياه الشيوعية في إخفائه بغرفة بسلاح الذخيرة بالشجرة ومن ثم تهريبه من سلاح الذخيرة ونقله بعربة تاكسي مملوكة لأحد أفراد التنظيم للإختباء داخل منزل المقدم/عثمان الحاج حسين قائد الحرس الجمهوري حيث يسكن منزل قائد الحرس الجمهوري الملحق بالقصر الجمهوري نفسه،وقد كان المقدم/عثمان الحاج حسين الملقب”بأبشيبة”هو المسئول عن تنظيم الضباط الأحرار الشيوعي من داخل القصر الجمهوري ويعاونه كل من الملازم أول أحمد جبارة،والملازم أول عبد العظيم عوض سرور،والملازم معاوية صالح سبدرات وكلهم من ضباط الحرس الجمهوري.
لكن زيارة مفاجئة لأحد أقرباء المقدم/عثمان الحاج حسين(أبشيبة)قائد الحرس الجمهوري بمنزله من جانب أحد أقاربه من المعروفين بولائهم للرئيس جعفر نميري كانت من الدوافع الأساسية لإخراج عبد الخالق محجوب سكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني من مخبأه داخل منزل قائد الحرس الجمهوري حيث تخوف المقدم (أبشيبة) من أن يكون الضيف غير المرغوب فيه في هذه الظروف قد لمح عبد الخالق محجوب والذي كان يتوارى خلف غرف المنزل الأمر الذي دفع صاحب المنزل وقائد الحرس الجمهوري والمسئول عن تنظيم الضباط الأحرار من تسريح عبد الخالق محجوب سكرتير عام الحزب الشيوعي وإطلاق سراحه لأنه تشكك في أن الضيف المفاجئ قطعا لمح عبد الخالق المطلوب إلقاء القبض عليه داخل أروقة منزل قريبه قائد الحرس الجمهوري_وأغلقت جميع أبواب منازل كوادر الحزب الشيوعي في وجه سكرتير عام الحزب في هذه اللحظات الصعبة فسار عبد الخالق هائما في طرقات أحياء العاصمة وما هي إلا سويعات إلا وأذاع راديو هنا أم درمان نبأ إلقاء القبض على عبد الخالق محجوب سكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني في طرقات الخرطوم،وقبله كان قد تم إعتقال الشفيع أحمد الشيخ،أمين عام الحزب وقد تم إيداعهم فورا رهن الإعتقال بمعسكر سلاح المدرعات بالشجرة مع بقية المطلوبين للمحاكمة من الكوادر الشيوعية المدنية والعسكرية.

بدأت المحاكمات وتمت مواجهة الجميع بأدوارهم وحجم مشاركاتهم في تنفيذ ودعم الإنقلاب التصحيحي في19/يوليو/1971 وبدأ راديو أم درمان من حين لآخر يقطع برامجه ويذيع الأحكام الصادرة من المحاكم العسكرية في شأن الإنقلابين حيث كانت بالنسبة للمدانين من العسكريين التجريد من الرتبة العسكرية والطرد من الخدمة والإعدام رميا بالرصاص ويختتم راديو أم درمان بياناته تلك بجملة متكررة وهي((هذا وقد تم تنفيذ حكم الإعدام))،وقد شمل الحكم بالإعدام كل من العميد بابكر النور سوار الذهب رئيس مجلس قيادة ثورة الإنقلاب التصحيحي،والرائد هاشم العطا قائد الإنقلاب،والرائد فاروق عثمان حمدالله عضو مجلس قيادة ثورة الإنقلاب وبقية الضباط الذين تمت إدانتهم بالمحاكم العسكرية،كما تم إعدام كل من عبد الخالق محجوب،سكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني،والشفيع أحمد الشيخ،أمين عام الحزب،شنقا بسجن كوبر وكذلك الكوادر المدنية الشيوعية بسجن كوبر_وهكذا إنتحرت قيادة الحزب الشيوعي السوداني التاريخية ونحرت معها أكبر الأحزاب الشيوعية في إفريقيا والشرق الأوسط.

غير أنه من المؤسف جدا قيام الحراسة المكلفة بحراسة أكثر من 20من خيرة ضباط قوات الشعب المسلحة قد قامت قوة الحراسة المكلفة بحراستهم وحال علمهم بفشل الإنقلاب الشيوعي التصحيحي بتصفيتهم غدرا حيث لم ينج منهم إلا اللواء”سعد بحر”والذي توارى بين الجثث والأشلاء فظنوا أنه قد قتل مع الآخرين وهذه الجريمة النكراء عرفت فيما بعد بمذبحة”بيت الضيافة”حيث أصاب الشعب السوداني الحزن العميق حيث عملت سلطات مايو بعد فشل الإنقلاب على إبقاء مقر الجريمة مفتوحا أمام الجماهير لعدة أيام ليشاهد الشعب السوداني آثار هذه الجريمة النكراء التي أختتمت بها تراجيديا الإنقلاب التصحيحي.

وللتدليل على مكانة الحزب الشيوعي السوداني عند قادة الكرملين في ما كان يعرف بالإتحاد السوفياتي سابقا ما ذكره الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه (زيارة جديدة للتاريخ)عندما ذكر أن قادة الإتحاد السوفياتي قد إتصلوا عاجلا بالرئيس المصري محمد أنور السادات لإستغلال صداقته مع الرئيس جعفر نميري وإبلاغه في رجاء قادة الكرملين بعدم إعدام عبد الخالق محجوب سكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني لأنه من حملة أوسمة لينين غير أن الرئيس السادات كان قد إتصل هاتفيا بالرئيس نميري قبل إعدام عبد الخالق بساعات وقال لهم أن الروس يطلبون عدم إعدامه ولكنني بقول لك يا جعفر(إقطع رأسه هو والحية الكبيرة بنت ال…..)!
لكن الملاحظات التالية تبدو ضرورية كما أوردها الرئيس نميري في كتابه المهم بعنوان [رؤية إستراتيجية لمهددات الأمن القومي في الشرق الأوسط في الثمانينات]حيث لخص ملاحظاته كالتالي:-
1/إن الإنقلاب الشيوعي في السودان وفشله قد أسقط أسطورة الحزب الشيوعي السوداني الحزب الأكبر والأقوى في المنطقة.
2/إن الإتحاد السوفياتي رغم وجوده العسكري في مصر لم يستطع أن يتحرك لدعم حزب شيوعي تحرك وأستلم السلطة بالفعل في بلد لا يبعد عن قواعد سوفيته في مصر بأكثر من ساعة ونصف بالطائرات.
3/إن الإتحاد السوفياتي رغم وجوده العسكري في مصر لم يستطع أن يمنع قوات سودانية كانت مرابطة على الجبهة مع العدو الإسرائيلي بمنطقة قناة السويس من تصل إلي السودان عبر جسر جوى لم تشهد له المنطقة مثيلا من قبل.
4/إن الإتحاد السوفياتي رغم تواجده في السودان عسكريا في شكل مستشارين كان مكبلا بقيود العجز وهو يشهد نهايات الساعات الإثنتين والسبعين وهي عمر كل السلطة الشيوعية في السودان.
5/إن الإتحاد السوفياتي في السودان كان قد تعرض لأكبر حملة تشهير من جانب دولة صغيرة هي السودان حيث فاجأ السودان العالم بقراره بطرد الخبراء السوفيات من السودان كإشارة لأول خروج للسوفييت من المنطقة .
6/تبع ذلك صدور قرار مشابه من مصر بطرد أكثر من17.000من الخبراء السوفييت.
..وعلى شباب السودان الإستفادة من عبر وشواهد التاريخ والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

شرف الدين أحمد حمزة
0114541743

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى