ابراهيم عربي يكتب :(محاكمات رموز الإنقاذ) … مطاردة الساحرات (18)

الخرطوم الحاكم نيوز
مواصلة للحلقات اكدنا في الحلقة السابقة أن اخطر ما ارتكبه النائب العام السابق تاج السر الحبر هو سماحه بإستغلال الإجراءات الجنائية كجزء من أدوات الصراع السياسي ،وقلنا أن الإجراءات الجنائية أصبحت في عهده بديلا للإجراءات الأمنية ذات الطابع السياسي تجاه الخصوم السياسيين والتي كانت تتم تحت مظلة قانون الأمن .
كسبت الحكومة نقطة في قانون الأمن ، إذ ألغت المواد التي كانت تبيح الإعتقال السياسي ، وقدم النائب العام البديل بإستخدامه لقانون الإجراءات الجنائية بشكل غاية في التعسف ، فشهدنا كيف أن المعتقلين يتم إعتقالهم أولا ومن ثم تبدأ رحلة البحث عن مسوغات إعتقالهم ، وكيف أن المواد التي يتم وضعهم تحت طائلتها يتم تحريكها بشكل مستمر لمواد أخرى عن ذات وقائع الإعتقال الأول لتناسب إجراءات إبقاءهم بالحراسة لأطول فترة ممكنة ، وظهرت هنا لازمة إرتبطت بمولانا الحبر وهذه اللازمة هي (هذا المتهم يواجه إتهاما خطيرا تصل العقوبة فيه إلى الإعدام لذا لا يجوز الإفراج عنه بالضمان) ..!!!
وليس ذلك فحسب بل ظهرت عملية (إعادة تدوير الوقائع) في البلاغات ، وهي ممارسة تماثل تماما هذا المصطلح في سياق إستخدامه المعهود (إعادة تدوير النفايات) ووفقا لهذه العملية المستحدثة في فضاءنا القانوني ، يتم إستخدام وقائع هي في أصلها متهافته ليتم فتح بلاغ بها ضد المتهم في نيابة الثراء الحرام علي سبيل المثال ، وعند إنتهاء التحريات تحت ذلك القانون والوصول إلى نتيجة تبرر شطب الإتهام ، يتم إعادة تدوير ذات الوقائع لدي نيابة الفساد ، وهكذا دواليك ، ولعل ماحدث في قضية المهندس عبد الباسط حمزة خير مثال لعملية أعادة التدوير هذه ..!.
غير أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل أطلت ممارسة جديدة تماما برأسها في الفضاء القانوني السوداني ، فالمطلع علي هذا المقال أو مهتم بالعدالة في البلاد يدرك هذا النموذج الصادم السئ للقانون ، إذ قبض النائب العام بعض المتهمين من العسكريين والمدنيين المشتبه في مشاركتهم في إنقلاب رئيس الإركان السابق الفريق هاشم عبد المطلب ، وعندما لم تجد السلطات بينات كافية في مواجهتهم تبرر إحالتهم لذات المحكمة العسكرية التي يحاكم أمامها الفريق هاشم ، عمدت السلطات لفتح بلاغات ثراء حرام في مواجهتهم وإحالتهم بها من معتقلات جهاز الأمن الي سجن كوبر ، حيث قضوا ردحا من الزمان دون تحري أو سؤال ، وعندما قررت السلطات الإفراج عن بعضهم ، صدر تصريح صحفي وبلا خجل من النيابة يشير إلي (أن نيابة الثراء الحرام اطلقت سراح بعض المتهمين في المحاولة الانقلابية لرئيس الأركان السابق ) ..!!.
 ونشير بالمناسبة إلى كل المعتقلين من رموز النظام السابق ، قد فتحت لهم بلاغات تحت ذات القانون ليس لأن هناك مايستدعي ذلك ، ولكن فقط كإجراء لإستمرار إبقائهم بالسجن ومواصلة السعي للبحث عن وقائع أخري ليتم فتح بلاغات جنائية بموجبها في مواجهتهم ، لقد بلغت السلطات في هذا المنحي مبلغا لم يشهده العالم من عسف وحيف من حيث الإجراءات بشأن المعتقل حاج ماجد الذي أعتقل بإعتباره حاج ماجد السوار السفير الأسبق وعندما تبين أنه حاج ماجد آخر تم بدء التحري معه حول أملاكه التي لا تتعدى منزل آل إليه كورثة من والده.
وبالتالي فإن عملية القبض ومن ثم بدء رحلة البحث عما يبرر القبض في عملية أشبه بالرمال المتحركة أسفرت في وجه آخر لها عن وجه كالح في تطبيق القانون كما هو الحال في مثال الدكتور الفاتح عزالدين رئيس البرلمان الأسبق ، فبعد إنقضاء مدة حبسه بموجب قانون الطوارئ وعندما لم تجدي الإتهامات تحت طائلة قانون الثراء الحرام ، تم فتح بلاغ في مواجتهه علي خلفية حديثه ابان فترة التظاهرات قبل سقوط النظام السابق (عندما دعا الأمهات أن يلموا أبناءهم حتي لا يتعرضوا لأذى القوات التي كانت تكافح تلك التظاهرات) .
لقد تم فتح بلاغ تحت المادة   (144) من القانون الجنائي في مواجهة الفاتح عز الدين ، وهي مادة تتحدث عن تهديد شخص لآخر بأنه سيلحق به أذى غير مشروع ، وعقوبتها لاتتعدي الغرامة أو السجن لمدة لا تتجاوز الستة أشهر ، وهاهو يكمل العامين وأكثر معتقلا (نتيجة كلام) ومن أذي المتظاهرين أو المعتصمين في ليلة واحدة وقتل منهم المئات ، فالجميع في انتظار لجنة أديب لتشير إليه ، وربما يطول الإنتظار طويلا .. !!
فيما تجري عملية تدوير الوقائع وإختلاق البينات بشأن قادة الدفاع الشعبي من الجانب المدني (المنسقين) الذين لم يألوا جهدا في مساعدة القوات المسلحة طيلة سنوات الإنقاذ ولديهم أفضال تمتد حتي أسر وعائلات من يحكمون الان ، تجري العملية فقط لإبقائهم بالسجن فتارة تحت قانون الثراء الحرام ومن بعدها تحت دعوي إرتباطهم بما تم ضبطه من سلاح فيما عرف بقضية (خلية الطائف) علما بأنهم كانوا وقتها بالسجن وقد قضوا فيه أكثر من (الأربعة) أشهر ، وعندما لم تلفق تلك الإتهامات ، أتهموا بالمشاركة في إنقلاب صلاح عبد الخالق وغندور وعادل بشاير ومحمد علي الجزولي ، وقالوا تم إستلامهم لأموال لذات الغرض من دول أجنبية وهم داخل محبسهم بكوبر !!!
الرادار .. السبت الخامس من يونيو 2021 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى