شرف الدين أحمد حمزة يكتب : في الذكرى 52 لثورة 25 مايو 1969الإشتراكية (لكي لا ننسى)

الخرطوم الحاكم نيوز
قبل أن يتقدم الحزب الشيوعي السوداني بكامل إرادته وقواه العقلية وبطوعه وإختياره إلي المحرقة الكبرى التي كان حطبها ووقودها قيادته التاريخية بشقيها المدني والعسكري في إقدامه على الإنتحار الجماعي نهار 19/يوليو/1971عبر دراما الإنقلاب العسكري غير الراشد الذي قاده الرائد هاشم العطا كان الحزب الشيوعي السوداني قد توهم أنه قد أحكم حلقات التحكم والولاية الكاملة على ثورة25مايو وقائدها العقيد أ.ج جعفر محمد نميري عبر عناصره العسكرية داخل مجلس قيادة ثورة مايو وبمساندة كاملة من القوميين العرب داخل مجلس قيادة الثورة وقد وضح أن هذا الوهم وذاك التوهم مرده القراءة الخاطئة لنفسية العقيد جعفر نميري رئيس مجلس قيادة الثورة وخارطة مساراته العسكرية وخلفياته الفكرية فهو لم يكن شيوعيا ولكن كان مغضوبا عليه داخل المؤسسة العسكرية من بعض قياداته خاصة بعد مواقفه المشرفة أثناء ثورة أكتوبر وإحالته للإستيداع ثم إعادته لصفوف القوات المسلحة ونقله إلي الجنوب وإهمال ترقيته بما دعاه إلي أن يوجه إنتقاده لهذا الإهمال بقوله أنه قد أصبح أقدم عقيد في إفريقيا بكاملها ومن ثم نقله إلي “حامية جبيت”العسكرية قائدا لمركز التدريب بين جبال شرق السودان الشواهق!
ظن مدبري الإنقلاب من الشيوعيين والقوميين العرب أنهم قد وجدوا قائدا إنتحاريا يمكن تطويعه وتدجينه بعد إعادة تلميعه ببريق السلطة لكن الرئيس نميري كان يدرك أهدافهم الحقيقية والتي رد عليها بعد سنوات عندما تناول نواياهم تلك في سطور كتابه((الرجل والتحدي))بقوله:((إن التاريخ لا تحركه الصدفة)).!!

كانت الأوضاع الإقليمية العربية في أسوأ أوضاعها حيث كان الإنكسار العربي الكبير بعد هزيمة الجيش المصري في حرب يونيو 1967 وإحتلال جيش الدفاع الإسرائيلي لصحراء شبه جزيرة سيناء بكاملها والضفة الشرقية لنهر الأردن وهضبة الجولان السورية بمساقطها المائية الغزيرة،ولذلك فقد جاء إندلاع ثورة مايو الإشتراكية في السودان بقيادة العقيد أ.ج جعفر محمد نميري وكذلك ثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا بقيادة العقيد” معمر القذافي” المفتون بشعارات القومية العربية كان ذلك كله فتحا جديدا للإشتراكية والقومية العربية.
وكان عبد الناصر زعيم القومية العربية محاطا بكوكبة من الوزراء ورجالات الحكم المنتمون للحزب الشيوعي المصري من ذوي الإرتباط الشديد بالحزب الشيوعي السوفياتي على رأسهم “د.عبد العزيز صدقي”وزير الصناعة والذي إنجزت في عهده خطة التصنيع الثقيل ومصانع الحديد والصلب “بحلوان”ثم ترفيعه إلي منصب رئيس الوزراء قبل توليه رئاسة اللجنة العليا لبناء السد العالي، كذلك حوله رجل موسكو القوي علي صبري،وعبد المحسن أبو النور،وشعراوي جمعة وغيرهم من الذين قادوا حركة التأميم والمصادرة في مصر والتي شملت حتى المؤسسات الخاصة لليهود في مصر مثل شركة عدس،وشركة بنزيون،وشركة صيدناوي وغيرها ومكنوا لسيادة القطاع العام.
وفي العيد الأول لثورة 25مايو الإشتراكية قام الرئيس المصري جمال عبد الناصر بزيارة تاريخية للسودان وضمن اللقاء الجماهيري بإستاد الخرطوم ليلا والذي شرفه المجاهد الفلسطيني الشهيد “ياسر عرفات”رئيس منظمة التحرير الفلسطينية بجوار الرئيس نميري وضيفه الكبير الرئيس جمال عبد الناصر وقف الرئيس نميري على المنصة بحضور جماهيري طاغي ليعلن بداية عهد التأميم والمصادرة بداية بجميع البنوك والمصارف الأجنبية والتي شملت بنك “باركليز دي.سي. او،وبنك مصر،وشركة جلاتلي هانكي،وشركة ماركنتايل”وعندما قرأ الرئيس نميري إسم بنك مصر ضمن البنوك التي شملها التأميم إلتفت إلي الرئيس المصري جمال عبد الناصر مبتسما وحينها بادله عبد الناصر الإبتسامة بل صفق بكلتا يديه مبتسما مباركا لمسيرة التأميم والمصادرة والتي كانت المسمار الأول في نعش الإقتصاد السوداني الوطني بهروب بقية الرساميل الأجنبية وإغلاق عشرات المصانع وبيوتات الأعمال والمتاجر وبرزت شركات جديدة بمسميات جديدة مثل شركة”أكتومايو،ومؤسسة الدولة للسينما،وشركة الجزيرة،وبنك الشعب التعاوني.

●بإنتهاء سكرة التأميم والمصادرة وبينما كانت الأناشيد وأبواق الدعاية الشيوعية تشق الأذان ليل نهار بالأناشيد التي تمجد ثورة25مايو وقائدها اللواء أ.ج جعفر محمد نميري ويردد الفنان المرحوم “محمد عثمان وردي”نشيده المقرر ليل نهار((يا حارسنا وفارسنا لي ناس بيتنا ومدارسنا،لينا زمن نفتش ليك وجيتنا الليلة كايسنا))فإذا بإذاعة أم درمان ذات نهار حار قائظ بعد ظهيرة يوم 19/يوليو/1971تقطع إرسالها وتبدأ في بث المارشات العسكرية الحماسية وتعلن عند الثالثة ظهرا على الجماهير أن هناك بيانا هاما سيذيعه عليكم بعد قليل الرائد هاشم العطا!!
وإستمرت إذاعة أم درمان في بث المارشات العسكرية وتكرر أنه “بعد قليل”سيذيع عليكم الرائد هاشم العطا بيانا هاما فترقبوه؟!!
وإستمرت إذاعة أم درمان على هذا المنوال وهذا الموال حتى قرابة الساعة التاسعة من مساء ذاك اليوم المشهود حتى مل الناس هذا التكرار الممل وعدم ظهور صاحب البيان حيث تبين فيما بعد أن الرائد هاشم العطا كان يلهث سعيا وراء من يكتب له بيان ثورته الأول الذي أعلن عنه عبر الإذاعة وينتظره الشعب السوداني وهم يتحلقون حول صواني العشاء،حيث وضح أسباب التأخير أن قيادات الحزب الشيوعي لم تكن متفقة على ساعة الصفر فقد رفض كل من “الشفيع أحمد الشيخ”وزير شئون رئاسة مجلس الوزراء آنذاك تحمل مسئولية كتابة البيان الأول وكذلك سكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني “عبد الخالق محجوب”مما اضطر الرائد هاشم العطا كتابة البيان الأول لحركته الإنقلابية.

●وأخيرا جدا ظهر على شاشة تلفزيون السودان(أبيض وأسود)الرائد هاشم العطا قائد الإنقلاب في مشهد متواضع للغاية من حيث الديكور والمكان وأمامه “ترابيزة” متواضعة عليها(( كوز ماء طلس كبير))ما أن ينطق بكلمة أو كلمتين إلا وتناول الرائد هاشم العطا جرعه مياه منه وقرأ بيانه المهزوز غير المترابط المعاني والأفكار واصفا نظام مايو بأنه النظام المباد وأن قيادته هي الطغمة المبادة وأنه جاء بحركة تصحيحية حيث تم إعتقال قادة النظام المباد على حد قوله وكانت بذته العسكرية قد غرقت في العرق الغزير المتصبب من وجهه ورقبته وإبطيه في مشهد سريالي ودراماتيكي في آن واحد جعل الشعب السوداني يقسم أن إنقلاب هذا الرجل لن يصمد لثماني وأربعين ساعة وقد صدق حدس الشعب.
نواصل إن شاء الله تعالى.

*شرف الدين أحمد حمزة*
0114541743

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى