ابراهيم عربي يكتب : (محاكمة رموز الإنقاذ) … مطاردة الساحرات (17) 

الخرطوم الحاكم نيوز
تناولنا في الحلقة السابقة من خلال بحثنا الإستقصائي أهمية وضرورة التقييم المنصف والعادل لتجربة أداء مولانا تاج السر الحبر النائب العام السابق ، وقمنا بإستعراض خلفيته المهنية والسياسية .
نواصل في هذه الحلقة رصد أهم الإخفاقات التي صاحبت تجربة الرجل بغرض إستخلاص دروس مستفادة للمستقبل ، وذلك من خلال رصدنا لآراء العاملون بالحقل العدلي من قضاة ومستشارين ممن هم بالخدمة أو المعاش وكذلك المحامون ورجال الشرطة ، وكانت النتيجة التي تحصلنا عليها من خلال بحثنا علي النحو التالي : 
فقدان النيابة العامة لإستقلاليتها التي نص عليها قانونها ، وفقدانها لحياديتها ومهنيتها بحسبانها (خصم شريف في الدعوي الجنائية) ، ووضح من سياق كل الإفادات التي أدلي بها المختصون أن القرار النهائي بشأن الدعوي الجنائية لم يكن بيد النيابة ، إذ صادر النائب العام سلطات وكلاء النيابة بمختلف درجاتهم وهو أمر مهم لأغراض الإستئناف وتعدد وجهات النظر ، وبالتالي أصبح الأمر شخصيا بيده فقط ، وقراره مرتهن في نهاية المطاف لصالح المكون العسكري الذي أصبح صاحب السلطة النهائية بشأن قرارت النيابة ، وكان أمراً محزنا أن يتحدث وكلاء النيابة بأنهم (قاموا بماعليهم ولكن القرار النهائي بيد المكون العسكري) ، أن هذا الوضع فضلا عن مجافاته لجوهر وروح العدالة ، فإنه هزم وبشكل مباشر مبدأ سيادة حكم القانون .
وليس ذلك فحسب بل تم تفصيل التشريعات خصيصا لتلائم مقاس إدانة المتهمين دون أي إفتراض قانوني آخر ، وهو أمر يجافي مبدأ  المشروعية في القوانين إذ يفترض بها أن تكون عامة ومجردة ، وتسري أحكامها علي المستقبل لا أن تسري بأثر رجعي لحكم وقائع سابقة لسنها (وأن المتهم برئ حتي تثبت ادانته) .
بلاشك يتحمل النائب العام بشخصه وصفته المسئولية القانونية عن وفاة ثلاثة من رموز العهد السابق (الشريف بدر وعبدالله البشير والزبير أحمد الحسن) فالأول ظل بحراسة القسم الشمالي بالخرطوم حتي تفاقمت حالته ، علما بأن حراسات الشرطة أشبه كما يصفها القانونيون بأقسام الطوارئ بالمستشفيات من حيث الإقامة القصيرة التي لا تتجاوز الأربع والعشرون ساعة ، إما أن يتم الإفراج خلالها عن المتهم أو إحالته لمركز إحتجاز قانوني مهيئا للإقامة لأكثر من ذلك ، أما المرحوم عبد الله البشير فقد أجحد حقه في الإستفادة من الإفراج عنه بكفالة مالية كما صدقت بذلك النيابة المختصة واستفاد منها المتهم الأول معه في ذات الدعوي الجنائية الدكتور الصادق قسم الله ، ورغم تقديم أسرته لشيك مصرفي بمبلغ الكفالة ولكن مع الأسف تم إبقاءه بالحراسة فقط لكونه شقيق الرئيس المعزول ، وبل ومنع من تلقي العلاج المناسب عندما تقدم الأطباء بقرار طبي يؤكد أهمية وإلحاحية تلقيه العلاج خارج السودان لإصابته بالسرطان .
أما المرحوم الزبير توفي نتيجة الإجراءات الجديدة (التي تسبب فيها مولانا الشيخ حسن فضل الله رئيس الجهاز القضائي بالخرطوم) والقاضية بعرض المريض أولا علي مستشفي الشرطة ومن ثم التقرير بواسطة لجنة طبية عن الجهة التي يتعين أن يجري فيها العلاج من بعد ذلك ، لقد تم إضاعة وقت ثمين منذ منتصف ليلة الجمعة وحتي منتصف نهارها في فحوصات وتشخيصات ثبت أنها كانت بعيدة تماما عما يعانيه حيث  (شخصت حالته أولا بأنها التهاب سحايا ، ثم التهاب فيروسي بالدماغ وأخيرا وعندما توقف قلبه عن الخفقان تم الإنتباه لمشكلة القلب التي كان يعاني منها والتي لديه تقارير طبية سابقة تبين ماتم بشأنها ولديه طبيب مختص ومستشفي كان يتابع فيه العلاج بسببها ، أنعش القلب في المرة الأولي وعاد للخفقان حوالي الحادية عشر صباحا ، وعند توقفه في المرة الثانية بعد ساعة من ذلك الوقت، كان الوقت قد مضي علي أي تدخل طبي فأسلم الروح الي بارئها) نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة .
بكل تأكيد هذه جرائم قتل (مكتملة الأركان) كما كان دوما يحلو للنائب العام أن يصرح بشأن أي جريمة ، فهل ياتري سيستغرق الأمر وقتا طويلا ودون عقبات حمائية قبل أن يتزامل مع غرماء الأمس بمحبس كوبر؟!.
لقد إنتهك النائب العام وقار منصبه الذي يفرض عليه سلوكا يتصف بالإتزان وعدم التسرع وقدم نفسه مثل النشطاء السياسيين بتسرعه في توجيه الإتهامات يمنة ويسري ، ومما يستوجب التعجب أن يزور النائب العام مسرح الحادث المدعي (جريمة محاولة إغتيال حمدوك) وقد جرت فيه وقبل أن ينجلي غبار وألسنة الدخان عن الموقع ، وحتي قبل وصول بعض الإدارات الشرطية المختصة برصد وتحليل مسرح الجريمة ، ليعلن النائب العام عن قائمة إتهاماته .
وكذا الحال بشأن من تم قبضهم من العاملين في مجال التعدين التقليدي (ليعلن عن حادث مماثل لحادثة إنفجار مرفأ بيروت ، ويتم من بعد ذلك دفن القضية بوصفها لا تستحق كل ذلك الزخم الذي تم إستعراضه من خلال مؤتمر صحفي إختشي منه حتي قادة تلك القوات النظامية من الظهور فيه ، فظهر مع ضباط لايمكن أن يكونوا قرناء له ليظهر معهم في هكذا مؤتمر ، وتحتفظ الذاكرة بالكثير من المضحك والمبكي من الحوادث المماثلة !.
لعل من أخطر ما إرتكبه النائب العام السابق مولانا الحبر هو سماحه بإستغلال الإجراءات الجنائية كجزء من أدوات الصراع السياسي ، فأصبحت الإجراءات الجنائية في عهده بديلا للإجراءات الامنية ذات الطابع السياسي تجاه الخصوم السياسيين ..!.
نواصل …
الرادار … السبت 29 مايو 2021 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى