شرف الدين أحمد حمزة يكتب : حقبة الإنقاذ الوطني بين البصمة والوصمة(4-4)

بسم الله الرحمن الرحيم
*!*
***************
●ما يزال السقوط الدراماتيكي لحقبة الإنقاذ الوطني بخيلها وخيلائها ومؤسساتها الأمنية والإستخباراتية الرسمية والشعبية وجمود قياداتها السياسية وخرس أبواقها الإعلامية وإنكشاف نرجسية العشرات من مراكزها المختصة بالدراسات والبحوث السياسية والإستراتيجية الممولة تمويلا خرافيا من وزارة المالية والإقتصاد الوطني والتي كان يديرها عرائس الشمع من حملة الدرجات العلمية الرفيعة من وجهاء النظام_ ولذلك فإن سقوط الإنقاذ بهذه الصورة الدراماتيكية ما يزال لغزا كبيرا لم تنفك طلاسمه وأسراره حتى الآن وإن كانت رائحة الخيانة وخيارات التآمر والبيع والشراء تفوح روائحها خاصة بعد تصريحات ضابط الموساد الإسرائيلي”أري بن مناشي” الذي أزاح مساحة من الستار حول دور رجال الموساد الإسرائيلي وتآمرهم مع بعض رموز الحركة الإسلامية وبعض القيادات السياسية الرفيعة بالنظام السابق على إزاحة النظام حيث كان هذا النشاط المضاد لنظام الإنقاذ يدار من داخل شركة”كوينز”العابرة للقارات بالخرطوم والتي كان يرأسها ضابط الموساد”أرى بن مناشي”!!!

●ما الذي جرى وراء الستار في اللحظات الأخيرة وقبل أن يسيل لعاب الفريق أمن “صلاح قوش”ويعتقد واهما أن رياح التغيير تجري رخاء حيث أصاب لصالحه ليصدر أوامره وتعليماته بسحب قوات جهاز الأمن والجيش وفتح المعابر والطرق والبوابات أمام الجماهير الغاضبة لتقتحم أبواب القيادة العامة للقوات المسلحة والطريق المؤدي للإستراحة الخاصة برئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة وإفتراش الجماهير وتحلقها بالشوارع المحيطة بالقيادة ورئاسة هيئة الأركان ثم تبدأ عمليات لعبة الكراسي الرئاسية ليخرج الفريق صلاح قوش صفر اليدين ويعلو الفريق عوض أبوعوف ويزاح أبو عوف ليصعد الفريق البرهان ويجلس الرئيس السابق البشير بين ضباطه الذين إحتاروا في كيفية إبلاغه بنهاية نظامه وخيارات إقامته الجبرية ببيت الضيافة والذي تحول إلي زنزانته بسجن كوبر العمومي!
لكن السؤال هو ماهي التطمينات والترتيبات التي حصل عليها الفريق صلاح قوش قبل يفر بجلده إلي دولة الإمارات العربية المتحدة ثم يعود برؤوس أمواله لاجئا سياسيا بالقاهرة ويخسر كل أوراقه على طاولة اللعبة السياسية ليخبو نجمه رويدا رويدا مخلفا ورائه أسوأ سيرة ذاتية لآدائه الأمني منذ أن تم إلحاقه برتبة عقيد أمن بجهاز أمن السودان عام1989والذي كان يترأسه العميد أ.ح إبراهيم نايل إيدام عضو مجلس قيادة الثورة آنذاك.

●لقد فقد الرئيس البشير إتزانه وتوازنه تحت الضربات الموجعة واللكلمات القاسية التي كان يتلقاها تباعا من قيادات المؤتمر الوطني بعدم التوافق والإصطلاح على إعطائه فرصة أخرى ليترشح لدورة رئاسية جديدة،فما أن يفيق من تصريح لإبراهيم محمود حامد حتى يتلقى لكمة جديدة من أمين حسن عمر وقبل أن يستفيق منها حتى يتلقى صفعه ولكمة جديدة من المرحوم الزبير أحمد حسن الأمين العام للحركة الإسلامية بذات المعنى الأمر الذي جعل الرئيس البشير مثل فأر التجارب يسعى جيئة وذهابا بين رئاسات الحاميات العسكرية في عطبرة والدمازين والشمالية وغيرها ليحتمي بالقوات المسلحة التي يبدو أنها كانت تدرك أن الرئيس وقائدها الأعلى كان مصاب بفيروس”كوفيد عبدالرحيم محمد حسين”!!
..لقد إختزل الرئيس البشير كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها الإستخباراتية والأمنية والرئاسية والتنفيذية في شخص العقيد أ.ح فني طيران عبد الرحيم محمد حسين،ولكن ما الذي جعل الرئيس المخلوع يتشرنق داخل شرنقة العقيد عبدالرحيم محمد حسين ليصبح الأخير عينه التي يبصر بها وأذنه التي يسمع بها ويده التي يبطش بها وتقدم إليه الكشوفات المتواترة لإحالة كبار وصغار الضباط وقيادات الخدمة المدنية إلي التقاعد لأسباب شكلية وشخصية ولمجرد أنهم أبدوا إمتعاضهم حيال الخبل السياسي والإقتصادي وسوء إدارة العلاقات الخارجية التي تتخبط فيه مؤسسات الإنقاذ وتولية أضعف الكوادر والشخصيات في المواقع الإستراتيجية والحساسة.
لقد أحاط العقيد عبد الرحيم محمد حسين الرئيس المخلوع إحاطة السوار بالمعصم وجعل من الرئيس منطقة يمنع الإقتراب منها دون إذنه حتى لم يعد يفارقه بعد أن أصبح سائقا خاصا بعربة الرئيس المخلوع بعد ساعات العمل الرسمية ولا يفارقة إلا إذا أسلمه إلي غرفة نومه وأغلق عليه الأبواب وأطمأن لذلك وقيل أنه قد يأتيه في أحلامه ومناماته عند اللزوم،فقد شكل العقيد عبدالرحيم نفسية الرئيس المخلوع وكيميائه النفسية والذهنية التي حجبت عنه الرؤية وأغلقت عليه منافذ التفكير كرئيس للجمهورية وقائدا أعلى للقوات المسلحة حتى جلس الرئيس المخلوع محاطا بضباطه من قيادات ثورة ديسمبر لا يدري ماذا يقول سوى أن أوصاهم بالبلاد خيرا وفق ما صرح به الفريق “حميدتي” في أعقاب الإطاحة بالنظام!؟

●لقد حملت ثورة الإنقاذ الوطني عوامل فنائها منذ لحظة إندلاعها،فبعد أن بدأ مجلس قيادة الثورة ممارسة أعمال السيادة والإدارة التنفيذية للبلاد حينها بدأ قادة الجبهة الإسلامية القومية يطلبون إلى الرئيس حل مجلس قيادة الثورة وعودتهم إلى ثكناتهم وإنتقال السلطة بمراسيم دستورية إلي التنظيم الذي كان وراء الإنقلاب بكوادره المدنية من الداخل وتلك التي تم إستنفارها للعودة للبلاد للوظائف الدستورية والتنفيذية والأمنية،وكانت هذه المطالبات المتكرره والمتواتره يحملها اللواء الزبير محمد صالح للرئيس البشير في إمتعاض ظاهر_حينها برزت تيارات داخل التنظيم الإسلامي معارضة للحل فقد كان د.الترابي ود.علي الحاج على وجه الخصوص يصرون على سرعة حل مجلس قيادة الثورة وفي الطرف الآخر كان علي عثمان محمد طه، ود. إبراهيم أحمد عمر يتخندقون في الطرف الآخر الرافض لحل المجلس حيث بدأ هذا الصراع يكبر يوما بعد آخر كما كرة الثلج إلي أن إنتهى بالمشهد الدراماتيكي في الرابع من رمضان عام 1999وتنامى هذا الصراع الذي تبلور عند دهاقنة المؤتمر الوطني في إستبعاد الرئيس البشير وحرمانه من فرصة الترشيح لدورة رئاسية جديدة قبل سقوط الإنقاذ درامتيكيا!!

●بدت قيادات المؤتمر الوطني مخدرة تماما بمقولة د.نافع علي نافع بأنهم لن يسلموها إلا لعيسى!وأن الزارعنا يجي يقلعنا،وتراتيل د.عوض أحمد الجاز بأنه بعد لبنت ما بنديها الطير!وبدا لهؤلاء أنهم باقون ما أقام عسيب وكان هذا إحساسا كاذبا كما الحمل الكاذب لهؤلاء القادة الذين سكنوا أبراجا عاجيه وإنفصلوا وإنفصموا عن الجماهير التي أعطتهم وما إستبقت شيئا حيث إستمرأوا إستفزاز هذه الجماهير وتسفيه مشكلاتهم ومطالبهم حيث برع د.نافع بوصف أراء مخالفيه بكونها مجرد “شنشنة”بل في بداية إحتجاجات ثورة ديسمبر علق عليها ببروده المعهود بأن الرسالة وصلت!
…ولما إشتدت المقاومة الجماهيرية وإلتئام الصف الوطني لجأت الإنقاذ لإستئجار النائحات الثكلى من سواقط الإنتهازيين الذين تقلبوا بين مكاتب الأحزاب داخل وخارج السودان بحثا عن المواقع الدستورية والدبلوماسية الرفيعة الدولارية فأغرتهم بمثل هذه الأعطيات حيث تفرغت صحف وكتاب النظام في تلميع صور هؤلاء بوصولهم للبلاد وأخبار دعوات الإفطار التي وجهت لهم على مائدة والي الخرطوم مرة،وأخرى على مائدة غداء مدير عام جهاز الأمن والإستخبارات وثالثة مع رئيس الجمهورية المخدوع المخلوع نفسه حتى إذا دفعوا بهم إلي محلقياهم الخارجية بسفارتنا وحال وصولهم لعواصم الضباب كانت القيامة قد قامت حيث أخرجت الخرطوم أثقالها وقال هؤلاء من دبلوماسي الغفلة مالها؟؟!!

●إن حقبة الإنقاذ الوطني قد حصدت ما كسبت يداها من خداع الجماهير والإستئثار بالسلطة وحصدها على المحاسيب والإنتهازيين، والخيانة وحنث اليمين المغلظ والحلف الكاذب على الهواء مباشرة أمام الجماهير بوعود كاذبة مثل نموذج مشروع مياه بورسودان عبر أنبوب يمتد من نهر النيل وسيناريو الشيك الدولاري المليوني الذي سلمه علي عثمان محمد طه النائب الأول للرئيس المخلوع لوالي البحر الأحمر محمد طاهر إيلا أمام الجماهير وأمام أجهزة الإعلام ليتضح هذا الهراء وهذه الاكذوبة بإنسحاب الشركة الصينية قبلا من المشروع تماما وغيرها من السيناريوهات التي لم تفلح في إطالة عمر النظام حال أن هبت الخرطوم في جنح الدجى.

●إن الحركة الإسلامية التي قامت على أكتاف الجبهة الإسلامية القومية وخرجت من رحمها وبمقوماتها الحركية وبرموزها وفقهها الحركي السابق لا تصلح لأن تقود الصف الإسلامي الناهض من الأجياال الجديدة الشابة وفق نظرية الصيروة التي تقول((إنك لن تستطيع أن تنزل إلي البحر الواحد مرتين لأن هنالك مياها جديدة تتجدد من حولك))،كما أن المثل الدارفوري يقرر بأن أم جركم ما بتاكل خريفين!
إن هناك حركة نقدية عنيفة تعد من مطلوبات إعادة بناء الصف الإسلامي الناهض وتناول تجربة الإنقاذ بالنقد العلمي الشجاع والشفاف لإسقاط المفاهيم البالية التي صنعوا عبرها محاريب لعبادة الأبطال وصناعة عرائس الشمع.

●إن بلادنا اليوم تواجه تحديات تستهدف الإيمان والعقيدة والأخلاق والقيم الإسلامية بما لايرضي كل مسلم صادق مؤمن بالله ربا وبكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر_لكن أن نركن إلي الماضي السياسي البالي فهذا من العجز والوهن وتجريب المجرب الذي يقود إلي حصاد الهشيم وعض بنان الندم،إن المطلوب هو وحدة أهل القبلة أولا لنصرة دين الله بالغالي والنفيس والمهج والأرواح،ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.

*شرف الدين أحمد حمزة*
0114541743

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى