ابراهيم عربي يكتب : زيارة حمدوك للجيش ..!

الخرطوم الحاكم نيوز
أعتقد أن زيارة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك للجيش في مقره بالقيادة العامة أول أمس الإثنين ضرورية ، ونراها قد تأخرت كثيرا ، ولتلك حساباتها وتداعياتها وظروفها ، وبالطبع كان الحديث إليهم باكرا أفضل من اليوم وكان يمكن أن يكون ذا أثر ومفعول أفضل ، في وقت نشطت فيه الحرية والتغيير (قحت) في (سواقة الناس بالخلاء) وتمت شيطنة الجيش ورصفائه من الأمن والشرطة والدعم السريع تحت مظاعم المدنية المدعاة زورا وبهتانا لتمرير أجندات تقاطعات مصالحهم .
كانت الزيارة ستكون أفضل وذات مفعول أقوي إن جاءت قبل تعقيد الأوضاع الأمنية بالمركز والولايات حيث يتقاتل المواطنين ويموتون سمبلة عشرات القتلي والجرجي يوميا دون أن ترمش لهم عين بالمركز، وليست الأزمة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية بعيدة عن ذلك في ظل إنعدام الخدمات الأساسية والتي طالت كافة الولايات بلا إستثناء وقد تجاوزت محطات الخبز والدواء والوقود والغاز والكهرباء وسبل المعيشة لتطال أزمة المياه والتي وصلت تعطيش الخرطوم ولأول مرة في تاريخها يغاث المواطنين فيها عبر تناكر متجولة وبرميل لكل بيت من إبداعات واليها أنور ، رغم أن الخرطوم نفسها ترقد علي بحرين .
كانت القوات المسلحة ولازالت أكثر حاجة لهذه الزيارة باكرا وهي تمسك بيدها علي الزناد في الفشقة وغيرها من حدود البلاد لحماية الأرض والعرض والسيادة الوطنية ، ولكن علي أي حال زارها الدكتور حمدوك زيارة معلنة وفي ظل تغطية إعلامية مشهودة ويرافقه وزراء (شؤون مجلس الوزراء ، الدفاع ، المالية ، الخارجية ، الاتصالات) ممثلين لحكومة الشراكة (المدنية العسكرية) والتي بذاتها أصبح فيها قولان ، فتحدث رئيس الوزراء إليهم مباشرة في حضور رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان القائد الأعلي للجيش ولكن ..!.
ولكن أعتقد إنها خطوة مهمة من قبل رئيس الوزراء ، أقلاها لكسر حاجز تذبذب الثقة بين العسكريين والمدنيين للمضي قدما بحكومة الشراكة في المرحلة الإنتقالية المعقدة جدا والتي تواجهها حزمة من التحديات ، تأتي ضروريتها لإستقراء توجهات الجيش لوضع لبنات صلبة لإنتقال سلس تكتمل بنهايتها بناء نظام ديمقراطي راسخ ومستقر ينهي (الدائرة الشريرة) من الإنقلابات التي ظلت متلازمة للسودان طوال (65) عاما من مسيرة الحكم بالبلاد .
ولكنها مع الأسف جاءت أيضا زيارة في وقت تبددت فيه أحلام الشباب في العيش بكرامة في وطن كانوا يحلمون به وصوروه في مخيلتهم (حنبنيهو البنحلم بيه يوماتي .. وطن شامخ وطن عاتي) ، غير أن آمالهم وطموحاتهم وتطلعاتهم قد ذهبت سدا أدراج الرياح ، من فشل لفشل وتخبط لآخر ، ركب البحر منهم من ركب ، بين غريق وحالم لم يكتمل حلمه ، وهاجر من هاجر ، ومنهم من لازالت محاولاته مستمرة من سفارة لأخري وحدود لحدود ، ومنهم من إصطدم بالواقع سدا منيعا ، ومنهم من إنصدم وانتهي العشم به الي ثورة مختطفة ووطن تهدده الإنقسامات والفتن وتتربص به المخابرات الدولية والإقليمية من كل فج .
جاءت زيارة حمدوك هكذا في وقت كثر فيه التزمر والتزمت والسخط وسط المجتمع ، وطال التململ القوات المسلحة بسبب تصاعد الأزمات ، في وقت ظلت ‏فيه المخابرات الدولية تحشر أنفها في سياسة البلاد والتي طالت حتي تعيين شاغلي الوظائف بمكتب رئيس الوزراء تحت ستار ما يسمي مجازا (الإصلاحات الإدارية) ، عدته الأجهزة الأمنية تفريطا في السيادة الوطنية للبلاد ، مع الأسف ولم تجد من  الدكتور حمدوك إلا إبتسامته الرمادية وذات العبارتين المكرورتين (سنعبر وسننتصر) ، جاءت الزيارة في وقت راجت فيه معلومات بعدم رضاء أمريكا نفسها عن أداء الحكومة الإنتقالية ، وربما لم تجد مرورا مأمولا لدورها ومصالحها وحلفاءها .
ولذلك من الواضح أن زيارة الدكتور حمدوك للجيش في هذا التوقيت ، إنه إستشعر الخطر لمصير حكمه بسبب تشظي الحاضنة السياسية وإتساع حدة الخلافات بين مكوناتها في ظل تصعيد متعاظم من قبل لجان المقاومة ظلت تطارد حمدوك أينما ذهب ، في ظل تفلتات الحزب الشيوعي الذي كان ينتمي إليه حمدوك نفسه ، وربما الزيارة نفسها فرضتها واقع تلكم المعلومات التي تسربت وتؤكد أن صبر العسكريين قد نفذ حيال تلكم المماحكات في ظل تصاعد حدة الإستفزازات ، لا سيما في ظل التململ وتعدد المحاولات الإنقلابية الفاشلة (ست محاولات) وربما أكثر ، في وقت تصاعدت فيه أصوات تطالب الجيش بحسم الفوضي وإحكام سياسة القانون . 
ولذلك جاء رئيس الوزراء القيادة العامة مخاطبا قيادات الجيش وأعتقد جاءها باحثا عن الأمان والضمان لأجل تنفيذ إتفاق سلام جوبا وما يعقبه من إتفاق مأمول مع الحلو وعبد الواحد نور ، لا سيما بشأن الترتيبات الأمنية ولا يمكن أن تتم دون إصلاحات في المنظومة العسكرية والأمنية لأجل قوات مسلحة واحدة بعقيدة عسكرية واحدة تتجسد فيها القومية والإحترافية ، قوات مسلحة محمية ومصونة بالدستور بعيدا عن التدخلات السياسية لأجل الوطن وحماية الديمقراطية في دولة المواطنة المأمولة .
ولكنها في الواقع تلك أصعب المراحل وأخطرها لأجل خطوات إنتقال سلس ومأمون في ظل وضع معقد ومشوش ومربك ، حيث تتعدد الجيوش والفرق والألوية وتتضاءل الفرض وتتعقد الحسابات أمام الترتيبات الأمنية المأمولة لفترة إنتقالية مطاطية لازالت لم تحسم فترتها النهائية بعد !، لأجل إنتخابات ديمقراطية لم تجد لها أذن صاغية بين مكونات حكومة الشراكة (ثلاثية الأبعاد) حتي الآن !.
الرادار .. الاربعاء 28 أبريل 2021 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى