
الخرطوم الحاكم نيوز
*(المستقبل برس)
هناك سؤال غير بريء و يغضب دارفور ويجعلها تشرح الإجابة : لماذا لم تقم الحرب في الشرق المظلوم والمضطهد الضعيف, بينما شهدت دارفور حربا مريرة ومثقلة بالأحزان بذات الظلم والاضطهاد؟
غالب الظن أن وراء السؤال اعتقاد واسع بأن طبيعة في دارفور ورطتها في العنف، وهذا الأمر بدون شرح واف سيكون ظلما إضافيا على دارفور , والبعض يتهم الفراغ والأرض الصفراء وأقدار أخري لا يمكن شرحها بكلمات مفهومة.
كنت ذات يوم في الشرق وفي أرض حزينة جدا.”أروما” تجولت في السوق والأحياء ووجدت أدروب يجلس خلف كفتيرة” وجمرات يستأنس بأواني فقيرة، وغبار كثيف بلا زرع ولا ضرع , بلا أملاك ولا مدارس ولا شفخانة ولا طموح ولا رغبة عادية في تحسين حياته من حوله…
وهذه بالطبع قضايا إنسان في الأساس، ويأتي دور الدولة والحكومات لاحقا.
وبعد نجاح ثوة ديسمبر المجيدة , انتفض الجميع أمام الفراغ، وبدلا من تصحيح المسار والهجوم على غابات الحسكنيت وحفر الآبار وبناء البيوت , حاصروا مقر لجنة إزالة التمكين بدعاوى جهوية، ينتصرون للباطل في أغرب دفاع..
ونحن في جمهورية السودان , يلف حياتنا غموض عجيب في مستوى التراجع في الخدمات الأساسية، بينما نتقدم جميعنا بنقاش حار ومستمر وجدا متطور في لف و دوران ينتجان غلاطا ممتدا دون إحراز أي نتيجة قديمة او جديدة، وهذا ليس مجرد إهمال جانب على حساب جوانب أخرى.
الشرق مجتمع عشائري مرتبط بنخب معينة ,لا تحب العمل، وكأنه اختار التجاور مع الفقر ورفض الانتصار على غابات المسكيت وسرق من عمره بسبب معارك صغيرة ومحدودة مستمرأ في ذات الضياع وهو ثغر السودان حيث البحر الأحمر الواجهة والميناء , السفن والبضائع. وبدلا عن الاستثمار في البحر والأرض الممتدة، انتشرت ظاهرة التهريب، وهناك خبرات وأبطال وعائلات. وكان الوطن يخسر على الدوام، وكان الزعماء يشربون من ذات الكأس، والإنسان البسيط جاهل فقير تائه من قهوة لقهوة بدون أقل مطلوبات الكرامة.
فشل مؤتمر الشرق بامتياز، ولم يستطع بناء أنموزج بسيط يغالط به الأجيال السياسية القادمة.
وكان السيد المحترم موسى أحمد ومن بعده ترك وآخرين يسيرون في طريق تعويض الشرق على طريقة تسويات سياسية محدودة، وكان دوما الفشل يليق بالمطالب.
الشرق إقليم واسع، وجغرافيا مهمة وفقيرة بسبب الإنسان أولا , ولعل الحدود الشرقية من أرتريا إلى تخوم إثيوبيا والتداخل النشط، والتزاوج المستمر، والملامح المتشابهة مع خط عام يربط الأزمة مع بعضها البعض، حيث ضعف الولاء للإقليم وكأنه لا يمثل تاريخا واحدا مشتركا، أورثنا حالة (تواطن) ضعيف أنعكس بوضوح في طبيعة الحياة على سطحها. وكأن الجميع يترغبون حالة سفر ليقلعوا أوتادهم ويغادرون.
كل ذلك جعل من الموقف السياسي طوال الخمسين عاما الفائتة بلا حماس وبلا خطاب مشترك، و كانت بقية الأقاليم تقدم مفقوداتها وخساراتها وقضاياها.. بينما الشرق مغرم بالانتظار والتراجع والصمت والتأجيل لطبيعة أساسية فيه.
وحينما جاءت ثورة ديسمبر المجيدة شهدنا غبارا ونهضة وموجة من الحقوق المقدمة من عموم الناس والزعماء يدقون “التربيزة” لحكومة المركز، وهذا جيد، و ليس تمرينا ديمقراطيا فحسب
في الواقع بدأ الشرق يغني بأوتاره للتعبير عن أزمته وأحلامه وتفكيره الجديد. و لابد من مواجهة صريحة مؤلمة :, أن علاقة إنسان الشرق ببقية نواحي السودان ضعيفة جدا , وفيها تجاهل متبادل، وحتي الوجدان يشتكي من سوء التقدير، وهناك ثقافة ثابتة نحو ذلك الإنسان من مدني ودنقلا ونيالا توضح أكثر من داخل تلك المدن نفسها ومن ظواهرها العفوية بغياب الشرق فيها..
فمن النادر أن تجد تاجرا بعيدا عن الشرق في الأبيض ومروي والمناقل متفاعلا مع بقية الأمور , بل ظلت بقية الأقاليم تتعارف على نموذج أنسان الشرق من خلال النكات ضعيفة المحتوى وفقيرة الأهداف، وهي موجة من ثقافة ظلال سياسية وأحوال منحرفة لبناء وطن متمدد في الوجدان على طريقة الأسوق والعواصم.
حتى النماذج الاجتماعية _مع التحفظ عليها_يغيب دور الشرق في رسم القومية العفوية طوال تاريخنا الاجتماعي والثقافي ، ويظل السؤال موجه إلى الجيل الرابع في شرقنا الحبيب : كيف يمكن النهوض بهذه الجغرافيا الواعدة المهملة إهمالا قاسيا , حتى يمتلئ الأفق بتعويضه التعويض العادل و المناسب؟.. وما العمل؟