تأملات – جمال عنقرة – مجلس الشركاء .. علي طريق قحت

الخرطوم الحاكم نيوز
يبدو أن الناس قد أفرطوا في التفاؤل عندما ظنوا أن شركاء الحكم الجدد سوف يكونون أفضل من أولياء الثورة الأول، وكان كثيرون – ونحن منهم – نظن أن الذين اكتووا بنيران الحروب، وذاقوا ويلاتها، سوف يستفيدون من الدروس والعبر، ويصلحون ما أفسده الآخرون، لا سيما وقد انضم إليهم في مجلس شركاء الحكم الجديد بعض الذين ظلموا من السابقين، وبعض الذين كنا نظنهم من المحسنين.
كل يوم يمر نكتشف أن الذين أتوا لم يكونوا أفضل من الذين سبقوا، فمثلما لم يكن للسابقين في قوي إعلان الحرية والتغيير هم سوي مغانم الحكم ومكتسباته، فإن الذين أتوا من الحركات المسلحة لا ينشغلون بشئ سوي مغانم الحكم ومكتسباته، والمتابع الآن لمفاوضات تشكيل أجهزة الحكم الانتقالي، يجد أن الخلاف كله يدور حول الأنصبة، ونوعها، فعلي مدار ثلاثة أيام تدور المناقشات، والحوارات لإقناع الجبهة الثورية لقبول وزارة الثروة الحيوانية بدلا عن وزارة الزراعة التي وافقوا لهم عليها وزارة سابعة جبرا للكسر، وكانت النسبة المقررة للجبهة الثورية تمنحها 6،5 وزارة، فطالبوا بجبر الكسر ليصبح نصيبهم سبع وزارات، وهذا فقط مجرد نموذج للصراع الدائر بين شركاء الحكم الجدد الذين كان يظن الناس فيهم خيرا كثيرا. وحزب الأمة القومي الذي عاد للمشاركة بحجة تحمل المسؤولية، فإنه يطالب بعضوين في المجلس السيادي، وستة وزراء، و65 نائبا في المجلس التشريعي، ولكم أن تعلموا أن الأسباب التي من أجلها جمد حزب الأمة عضويته في مركزية قوي إعلان الحرية والتغيير لا تزال قائمة، ولكنها لم تحل بينه وبين المشاركة، ولمثل هذا الموقف، ومواقف مشابهة له من أحزاب أخري كنت قد شبهته ب (زعل أم العروس) قالوا إنها (رفضت اللحم وأخذت الفلوس)
هذه المواقف المتناقضة للقوي السياسية المنضمة حديثا لمنظومة الحكم، لو أمعنا النظر فيها لوجدناها متسقة مع مواقف سابقة لهم، لكننا لم نكن ننظر بعين فاحصة، وهي لا تختلف عن حال وفكر ومواقف الذين سبقوهم في قوي إعلان الحرية والتغيير (قحت)، فلما سقط نظام الإنقاذ، وقامت قوي الإعلان حاضنا سياسيا للثورة، كانت الجبهة الثورية جزءا أصيلا، ومكونا أساسيا من مكونات (قحت) ولم تخرج الجبهة الثورية من قحت إلا لأنها لم تجد فيها مقعدا مريحا، فخرجوا وأسسوا لهم منبرا منفصلا للحوار من أجل السلام، هو منبر جوبا، وبرغم أن حوار السلام لم يكن يحتاج إلى أكثر من شهر واحد فقط، لكنه طال واستطال حتى بلغ عاما كاملا، مخصوما من عمر الثورة، والشعب والوطن، ولأن الحوار لم يتأسس علي مبادئ، ولد السلام يحمل عوامل فنائه في داخله، فمن أجل المكاسب انقسمت الجبهة الثورية علي نفسها، ومن أجل أن يقوي كل طرف جانبه أصروا علي إدخال جهات لم يكن موضوعيا دخولها، مثل مسارات الشرق والوسط، والشمال، فقضايا تلك المناطق تشبه قضايا مناطق أخري مثل شمال كردفان ونهر النيل، ولم يكن لهذه المناطق مسارات في جوبا، ولم يكن منطقيا أن تكون لها مسارات، مثلما لم يكن منطقيا وجود مسارات للشمال والشرق والوسط ضمن حركات كانت تحمل السلاح، ورغم أن الحركات المسلحة انطلقت من جهات محددة، لكنها كلها تزعم أنها حركات قومية وليست جهوية، وفي كل حركة يوجد أعضاء من غير المناطق التي انطلقت منها، وبعضهم قادة، مثل الأستاذ ياسر عمار في الحركة الشعبية، والأمير الدكتور أبو عبيدة الخليفة عبد الله التعايشي في حركة جيش التحرير، ومن المفارقات الغريبة أن الذين يقودون المسارات، لا يمتلكون أي تفويض شعبي، أو تاريخي، أو منطقي للحديث باسم هذه المناطق، وما كان يمكن أن يكون لهم وجود لولا إصرار بعض قادة الحركات علي وجودهم، بل إن بعض قادة الحركات كانوا قد هددوا بالانسحاب من مفاوضات جوبا إذا استبعدت المسارات، ولأن الحكومة كانت في موقف ضعف، رضخت لهذه التهديدات، ووقعت علي المسارات، وهنا ظهرت المفارقة الثانية، فبعد أن وقعت الحركات مع الحكومة، وجدت أنها ليست في حاجة إلى رجال المسارات، ووجدت أنهم يخصمون منها، ولا يضيفون إليها شيئا، ووجدا بعضهم كلا عليهم، أينما وجهوهم لا يأتون بخير، فصاروا يهربون ويتهربون منهم، فوجدتها الحكومة فرصة للتخلي عنهم، وهم أصلا ليست لديهم أوزان داخلية، تجعلها تعمل لهم حسابا، خصوصا إذا ما قورنوا بالرافضين لتلك المسارات، أو مع القوي الصامتة الذين ليسوا مع المسارات، ولا مع الذين يناهضونها، وهذا ما زاد الأمر تعقيدا.
عموما، لا أدري، ولعل كثيرون لا يدرون إلى أي شئ تؤول الأمور، ولكن مجلس الشركاء بهذه الطريقة، وبهذه العقلية، لا يرجو أحد منه خيرا البتة، ولن يكون حاله بأي حال أفضل من قوي إعلان الحرية والتغيير، التي أضاعت فرصة تاريخية لها، وللبلد كلها، بحرص كل مكون من مكوناتها علي أن يكسب وحده دون الآخرين، وكانت النتيجة أن خسروا، وخسر الناس جميعا، وكانت خسارة الوطن أعظم، والخسارة الأكبر أنه لم يعد الناس يرون بارقة أمل في أي مكون من مكونات الثورة، وحواضنها، يمكن أن يضطلع بمسؤولياته، ويتصدي للتحديات، وينقذ ما يمكن إنقاذه، والأسوأ من هذا وذاك، أن حالة التيه التي تعيشها البلاد أغرت بعض الذين قادوا البلاد إلى الهلاك من أسوأ محسوبي النظام السابق، جعلتهم يحلمون بالعودة، ويبشرون بأسوأ وأقبح الأمثلة، من الذين كانوا سببا للثورة الشعبية، وتلك ردة ما بعدها ردة، وكل ذلك بسبب سوء وضعف، وضحالة كثيرين من الذين خلفوا، وصاروا أسوأ من الذين سلفوا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى