تأملات – جمال عنقرة – السيد البرهان .. إلى متى؟

الخرطوم الحاكم نيوز
لا أود أن يذهب الناس بعيدا في التفكير وهم يقرأون هذا العنوان، فقد يظن البعض أن أعني بهذا التساؤل ما يعنيه كثيرون من الذين يرون أن الجيش يجب أن تكون له كلمة فاصلة لحسم ما يجري في البلاد، لدرجة يمكن أن توصف بالفوضي، فعندما خرج البعض في مسيرات تدعو إلى مساندة الجيش وتفويضه لاستلام السلطة، كتبت ضد تلك المسيرات، وضد الهتافات التي تدعو الجيش لاستلام السلطة، ولا زلت عند موقفي القديم، وأري ألا عودة إلى الوراء أبدا، ولا نكوص عن الثورة، ولا تراجع، ولا زلت من مؤيدي مقولة أن علاج الديمقراطية يكون بمزيد من الديمقراطية، ولكن يجب أن نفرق بين الديمقراطية والفوضي، وأن الفوضي هي التي هزمت التجارب الديمقراطية السابقة كلها، وكثير مما يجري الآن هو أقرب للفوضى منه إلى الديمقراطية.
وقولي للسيد الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان (إلى متى؟) سببه الخطاب الذي ألقاه في الذكري الخامسة والستين لاستقلال السودان المجيد، والذي يصادف الذكري الثانية لثورة ديسمبر، وسؤالي له بصفاته كلها، القائد العام للقوات المسلحة، رئيس مجلس السيادة، ورئيس مجلس الشركاء، وأقولها بكل صراحة ووضوح، فلقد جاء الخطاب غير معبر تماما عن المرحلة، ولا عن تحدياتها، ولا يخاطب طموحات الناس، ولا يقترب منها حتى، بل إن بعض فقراته يمكن أن توصف بالمحبطة، ولنبدأ ذلك بما جاء في شأن الجبهة الشرقية، فجاء في خطاب السيد البرهان بالنص الحرفي (ما يحدث في المنطقة الشرقية المتاخمة لحدودنا مع إثيوبيا هو إعادة انتشار القوات المسلحة السودانية داخل أراضيها … ولقد ظللنا نحرص، وما زلنا علي معالجة موضوع التعديات من قبل المزارعين الإثيوبيين والداعمين لهم علي الأراضي السودانية عبر الحوار) فهل هذا ما يجري في الجبهة الشرقية، إن ما يجري في الجبهة الشرقية يعرفه السيد البرهان أكثر منا جميعا، فهو القائد العام للجيش السوداني الذي تعرضت قواته لأكثر من كمين من الشفتة الإثيوبية، وهي وحدات تابعة للجيش الإثيوبي، والكمين الذي كان قاصمة الظهر، ولم تحتمل بعده قواتنا المسلحة الأذي المتلاحق، كان ذاك الكمين الذي استشهد فيه أربعة من الجيش السوداني بينهم ضابط برتبة رائد، وهنا خرج الجيش للتصدي للمعتدين، وفرض هيبة الدولة وسلطانها علي كل حدود البلاد، فما حدث ليس انتشارا عاديا للقوات، ومثل هذا القول يثبط همم الجنود المرابطين.
لست من الذين يدقون طبول الحرب، ولا نريد للحرب أن تشتعل بيننا والجارة الشقيقة أثيوبيا، ولكن القائد البرهان يعلم أكثر منا جميعا أن إثيوبيا الآن قد حشدت أكثر من مائة ألف مقاتل في الحدود الفاصلة بينهم وبيننا، ولعلهم قد فعلوا ذلك تحسبا، ولكن أهلنا قديما قالوا (البجيك مشمر انتظره عريان) فلا يمكن أن تعتدي قوات الشفتة المدعومة من الجيش الإثيوبي علي قواتنا وعلي مزارعينا العزل، وتجرد الجيوش علي الحدود، والشعب يخرج كله لنصرة قواته المسلحة، ويقول القائد العام أن ما يحدث في المنطقة الشرقية هو مجرد إعادة انتشار للقوات، فهذا ليس مقام حديث سياسة، ولا دبلوماسية، فالحديث اليوم للرماح والسنان، حتى يقف كل إنسان عند حدوده، (ويا دار ما دخلك شر)
فقرة ثانية في حديث السيد البرهان جاءت مفعمة برومانسية فاقت رومانسية (سوف نعبر وننتصر) جاء في هذه الفقرة (نؤكد التزامنا بمبادئ الثورة باستكمال هياكلها حتى تصل الفترة الإنتقالية إلى غاياتها بتحقيق الإنتقال السلمي للسلطة، وإرساء أسس ودعائم البناء الوطني) والمتابع الآن للأحداث يجد أن الخطوات كلها لا تزال تراوح مكانها، وأن ميلاد أجهزة الحكم الانتقالي يشهد مخاضا عسيرا، وأنه مما رشح من حوار وصراع حول تقسيم المناصب، يؤكد أن أي مولود مهما كان سيكون مشوها، ولن يعبر عن الثورة، وسوف يزيد الطين بلة، ولم يعد الشعب يحتمل عبث بعض أدعياء الثورة الذين يحرصون علي مكتسباتهم الشخصية والحزبية، ولا يهمهم ماذا يكسب الوطن وماذا يخسر، ولو أمعنا النظر في خلافات القوي السياسية بشأن تشكيل أجهزة الحكم الانتقالي نجدها كلها حول الأنصبة والحصص، ولا يوجد أي حديث حول سياسات ولا أولويات، وهنا ينتظر الناس من الرئيس صاحب العباءات والطواقي العديدة قولا فصلا، وليس أحلام وأمنيات.
تحدث السيد البرهان في أكثر من خطاب سابق، عن معاناة الشعب، وصبره علي المعاش الذي ضاق، ولم يعد يحتمل، واليوم المعاش زاد ضيقا أكثر من الأمس، وأكثر مرات ومرات من آخر خطاب للسيد البرهان، بل إن في ذات يوم خطاب السيد البرهان ضاعفت الحكومة عددا من الرسوم في كثير من السلع والخدمات، في مقدمتها الكهرباء، وكل المعاملات الحكومية، وفعلت ذلك دون أن تكون هناك ميزانية، ودون عرض الأمر علي أية جهة مفوضة لاجازته، ومع ذلك يقول السيد البرهان (الظروف الاقتصادية القاسية التي تمر بها البلاد أثرت علي اقتصادنا وواقعنا المعيشي، هذا الواقع يتطلب تضافر الجهود والعمل سويا بهمة وإخلاص، بالتعاضد والترابط المجتمعي، والاعتماد علي مواردنا) فهذا كلام انشائي لا يسمن ولا يغني من جوع.
ولا ينسي سعادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان تضمين خطابه ذات الفقرة التي كانت في آخر خطابين له، دعوة عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور للإنضمام لركب السلام، وهي دعوة تصنف في الأعراف السودانية “عزومة مراكبية” ففي مثل هذا الخطاب كان الأجدر بالسيد الرئيس متعدد العباءات أن يقول للناس ماذا فعل لضم الرجلين لركب السلام، وماذا وجد عندهما، ليعلم الشعب أنه فعل ما عليه، ولا يمكنه فعل أكثر من ذلك، أو أنه ليس لديه ما يقدمه أصلا من أجل السلام، عندها يعلم الشعب أيهم علي حق، قيادة الدولة، أم القائدان، ولكن أن يظل القول هكذا مجرد نداء مكرور، فذلك لا يليق.
عموما لا تزال الكرة في ملعب سعادة القائد العام للقوات المسلحة، رئيس مجلس السيادة، ورئيس مجلس الشركاء في أن يكون واضحا وصريحا، وقويا، وجريئا، وقادرا علي اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وبالله التوفيق والسداد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى