شـــــوكــة حــــــوت – ياسر محمد محمود – جيـل حـليمة المـظـلـوم

الخرطوم الحاكم نيوز
*إتصلت على هاتف البيت عند الساعة الخامسة وعشر دقائق عصرا فردت على طفلتي الصغيرة حليمة والتى أناديها بكلمة (يُمة) فتجاذبت معها أطراف الحديث بقلب الأب وروح صافية وعندما تطلب منى حليمة طلب وأعتذر لها تقول لى بكل براءة (الحالة واحدة) وأثناء حديثى معها سألتها سؤال مباشر (أها إتغديتو مع أخوانك) بمعنى هل تناولتم وجبة الغداء فردت على بكل عفوية بالغت يا بابا الغداء (هسة) فسألتها مرة أخرى الغداء (متين) فقالت لى الغداء بعد صلاة المغرب لحظتها ودعت صغيرتي حليمة وأغلقت الهاتف وغلبتنى دموعى وبكيت سرا وجهرا على جيل إبنتى حليمة الذى جاء إلى الحياة ووجد ظروف الشعب السودانى جعلته يتناول وجبتين فى اليوم بدلا عن ثلاثة وجبات وجبة الفطور ووجبة (مجوبكة) بعد صلاة المغرب أطلقت عليها وجبة (الغشاء) وهى بعد صلاة المغرب تجمع ما بين الغداء والعشاء*.

*قد لا تصدقنى إبنتى حليمة لو قلت لها أننا كنا نتناول ثلاثة وجبات فى اليوم وتعتبر وجبة الغداء الملغية إجتماع أسرى يومى يجتمع فيها كل أفراد الأسرة بعد أن نكون قد إستمعنا إلى برنامج عالم الرياضة وقبل أن نستمع إلى نشرة الساعة الثالثة يكون الغداء حاضرا (صينية) بها ثلاثة أصناف طعام فى حدها الأدنى بالإضافة إلى صحن (السلطة ألخصراء) قد لا تصدقني صغيرتى حليمة وجيلها لو قلت لها أن وجبة الغداء يوم الجمعة من كل إسبوع عبارة عن عيد إسبوعى نتناول فيها (اللحمة الناشفة) والتحلية والأرز والكاسترد ونتناول فيها مجموعة من أصناف الفواكه كالموز والقريب والمانجو والجوافة قد لا تصدقني صغيرتي حليمة وجيلها لو قلت لها إننا كنا نتناول كوبين حليب (شُب) صباحا ومساء وعندنا وجبة العشاء وجبة ترفيهية نشتهى فيها ما نريد من أرز باللبن أو مديدة حلبة أو شعيرية وعندنا عصيدة الدخن باللبن وجبة تكميلية من دون مواعيد ونتناول (اللِبِا)*.

*بإسمى وبإسم آباء جيل صغيرتى حليمة نقول لكم أنكم تعيشون فى وطن إسمه السودان به ٢٠٠ مليون فدان صالحة للزراعة ويجرى بأرضه أطول نهر فى العالم وبه عدد من الأنهار وبه أكثر من ١٢٠ مليون رأس من الماشية وطن غنى بكل الموارد الطبيعية التى يمكن أن تعيشون فيه فى دعة ورفاهية وتتفوقون على أقرانكم فى دول لم تمتلك عُشر ما تزخر به بلادكم لكن سخرية الأقدار جعلت المواطن السودانى مواطن فقير فى وطن غنى ونعتذر لكم بإسم كل أب عجز عن توفير لقمة عيش كريمة لإبنائه وقصرت حيلته فى أن يصنع لإبنائه حياة مثل التى عاشها عندما كان فى مثل أعمارهم*.

*قالت لى صغيرتى حليمة بكل عفوية يا بابا أنا سوف أدخل المدرسة (طوالى) فهنا تذكرت أن جيل حليمة بأكمله لم يدخل الروضة إنما سيدخلون المدرسة مباشرة لأنهم ظلوا فى بيوتهم عامين من عمر الزمان وتحولوا إلى كائنات منزلية وبهذه الصورة تكون صورة الحياة عندهم قد تم حذف مقرر الروضة منها والغريب فى الأمر أن المغنى ما زال يردد (عشان عيون أطفالنا ما تضوق الهزيمة) وعيون أطفالنا شبعت (ضواقة) فمن يعوض جيل حليمة هذه السنوات أم أنه سيكون جيل مهزوم فى تواصله حتى مع العالم الخارجى حال أنهم أصبحوا قادة لهذه البلد الصابر أهلها*.

ربــــــــع شــــــــوكــة

*يا جماعة أولادنا وصلوا مرحلة المراهقة وبلغوا سن الرشد والتكليف وهَم ما زالوا بمرحلة الأساس*َ

yassir.Mahmoud 71@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى