تأملات – جمال عنقرة – الحكومة .. في حضن الشعب والجيش والحركات

الخرطوم الحاكم نيوز
وجدت كثيرين يتساءلون عن حاضنة حكومة المرحلة الإنتقالية بعد خروج كثير من أحزابها من حاضن الثورة قوي إعلان الحرية والتغيير (قحت) وقال أحدهم ساخرا (الحكومة قعدت في الشتاء مكشوفة، ما لاقية حضن يلمها، ويدفيها). ولكن عسي أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.
أذكر أن أحد أحبابنا نحتفظ بذكر اسمه أعجبه كلام قلت به في برنامج (مثيرون للجدل) الذي استضافني فيه صديقنا الأستاذ بكري المدني في فضائية أم درمان، عندما سألني عن (قحت) حاضنة الحكومة، فقلت له إن الإنقاذ لم يسقطها حراك أيام معدودة أو حتى شهور، وأن الانتفاضة التي انطلقت من الدمازين ثم عطبرة، ثم عمت كثير من مدن السودان الأخري وعاصمته المسبعة هي قطعا ليست وحدها التي أسقطت الإنقاذ، وأن القوي والأحزاب التي جمعها إعلان الحرية والتغيير، ليست وحدها التي صنعت الثورة، فالثورة حراك مستمر منذ عام الإنقاذ الأول أسهم فيه كل أهل السودان، ولكن حال قحت أشبه بحال لاعب كرة كان يتحرك في داخل خط 18، والكرة يتناقلها لاعبون آخرون، فصوبها أحدهم نحو المرمي، وهي في طريقها إلى أن تلج الشباك، ضربت في رأس هذا اللاعب المتحرك، ودخلت المرمي، فسجل الحكم الهدف باسم هذا اللاعب، وحياه زملاؤه، وصفقت له الجماهير، ثم حملوه بعد المباراة علي الأعناق يهتفون باسمه، وكذا حال (قحت) فبينما كان الجميع يتعاركون أمام المرمي، قذف أحدهم بالكرة، فاصطدمت بقحت، وصارت هدفا، فارتضي الناس كلهم تسجيل الهدف باسمها، وارتضوها جميعا حاضنة وحيدة للحكومة والثورة، وكنت من الراضين، والمسوقين لذلك، رغم أني ظللت أردد دائما أني لست من أحزاب قحت، ولن أصير منها حتما، لكنني رضيت ب (قحت) حاضنة للثورة، وكنت أدعو الناس لمنحهم فرصة، وأدعوهم إلى عدم إضاعة هذه الفرصة التاريخية التي أتيحت لهم وللسودانيين جميعا،
وأقول أن قبول السودانيين بقحت حاضنة للثورة، رغم أنها لم تكن كذلك، كان امعانا في حسن الظن، وحرصا علي أن تستمر مسيرة الثورة دون نزاع، ولكن أن الذي حدث من جانب قحت كان عكس ذلك، فبدل أن يقدروا هذه الثقة التي منحها لهم الشعب السوداني جميعا، حاولوا استثمار الثورة لصالحهم، وضرب كل مكونات الشعب السوداني الأخري، وفي مقدمتها أصحاب النصيب الأكبر في صناعة الثورة، المكون العسكري، والقوي والأحزاب الجماهيرية ذات الكسب العظيم مثل حزب الأمة، والقوي الضاربة التي ظلت تنازل النظام وحدها في الميدان المتمثلة في الحركات المسلحة، التى قدمت خيرة أبنائها مهرا للثورة، مثل الشهيد الدكتور خليل إبراهيم وغيره، ثم عملت على محاربة كل خصومها بأسلحة الحكومة والثورة، وتصفية كل حساباتها القديمة والمتراكمة، وسعت للتمكين لمنسوبيها علي حساب كل القيم والمعايير، فكان نتيجة ذلك خروج وتجميد القوي الجماهيرية والفاعلة لعضويتها في قحت، فخرجت اولا الجبهة الثورية من قحت لأنها لم تجد السلام شعار الثورة الأول ضمن اهتمامات القحتيين، وجمد حزب الأمة عضويته في قحت، واضطر المكون العسكري أن يتصدي لمسؤوليات الحكم وتحديات المرحلة وحيدا، بعدما صار القحتيون يضعون العراقيل في طريقه، وينشئون المتاريس، واضطرت قوي كثيرة كانت قد قنعت بما حدث، وصارت تنتظر مجئ يوم يتحاكمون فيه إلى الشعب، اضطرت إلى الخروج والحراك، وقد صار أهل قحت يستهدفونهم حقا وباطلا، والباطل أكثر من الحق، ولما وجد الذين كانوا يفعلون كل ذلك باسم قحت، أن السهام قد ارتدت إلى نحورهم، أرادوا أن يقفزوا من مركبها قبل أن يدركها الغرق، وظنوا أنهم بذلك سوف يكشفون ظهر الثورة والحكومة، فتسقط، ويدعون أنهم وراء هذا السقوط، وهذا هو السر وراء خروج أحزاب قحت التي كانت فاعلة ومتحكمة من حاضنتهم التى كانوا يفعلون بها الأفاعيل.
وفات هؤلاء أن الثورة أصلا لم تكن وحيدة، وأن قبول كثير من القوي الوطنية الفاعلة بحكم قحت كان من باب الحرص على نجاح الثورة، ولم يكن ضعفا ولا تهاونا، وأن المكون العسكري ظل يتعامل معهم طوال الفترة الماضية بنظرية أم الولد، فتنازلوا لهم عن الكثير حتى لا يتنازعون ويفشلون، وتذهب ريحهم. ولقد ظن القحتيون أن الوقت مناسب لكشف ظهر الحكومة، وهي تواجه بمشكلات وتحديات جسام، كلها من صنع أيديهم، وحصادا لسياساتهم الفاشلة، ولم يدركوا أن الفرصة اليوم هي الأنسب لتصحيح مسار الثورة والحكومة، وقد صارت في أيدي أمينة، والمكون العسكري ليس في حاجة إلى شهادة أو إشادة، فلقد قال الشعب كلمته يوم أن تحرك صوب القيادة العامة للقوات المسلحة، وهو يهتف (شعب واحد جيش واحد) فكل ما يفعله الجيش هو ما كنا ننتظره منه، ولا زلنا ننتظر الكثير، ولكن الذي يستحق الإشادة هو المكون المدني في مجلس السيادة، فهؤلاء العظام الستة، السيدة رجاء نيكولا وبقية الخمسة الكرام، رغم أن الخمسة قدمتهم قحت، والسادسة توافق في شأنها العسكريون والمدنيون، لكنهم جميعا – بلا استثناء – ارتدوا الثوب القومي الذي يستوجبه المقام، ولقد ذكروني بموقف عظيم للراحل المقيم السيد أحمد الميرغني رئيس مجلس السيادة في عهد الديمقراطية الثالثة له الرحمة والمغفرة، فلما انسحب حزبه الاتحادي الديمقراطي من الائتلاف الحاكم، لم يخرج معهم، ولما طلب منه البعض الخروج، رد عليهم بأنه خلع رداء الحزب يوم أن دخل القصر الجمهوري، فالمدنيون في مجلس السيادة، ظلوا هكذا وطنيين قوميين، وسوف يظلون هكذا يحملون الأمانة مع شركائهم العسكريين، ولقد انضم إليهم الفاعلون من الحركات المسلحة، الذين يعرفون قيمة السلام، وقيمة أن يكون لك وطن امن مستقر، وقد جربوا ويلات الحرب وفظائعها، وذاقوا مرارات التشرد من الأوطان، أما الشعب فهو صانع الثورة، وهو الذي صبر علي كثير من أذي العابثين من القحتيين، فستظل الثورة والحكومة في حضن آمن دافئ، وعاؤه هذا الشعب الجسور، وتحرسه قواته المسلحة، وكل القوي الأمنية والعسكرية في البلاد، ويشد من أزرهم العائدون من حركات الكفاح المسلح، ومعهم في مقدمة الصفوف من يتبقي من الوطنيين القحتيين الموضوعيين، والله هو الحارس من قبل ومن بعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى