تأملات – جمال عنقرة – كباشي .. عز الشعب والجيش

الخرطوم الحاكم نيوز
مررت يوم أمس الأول علي سوق بحري في رفقة الأخ الصديق المستشار معاوية أبو قرون، فجلست في السيارة وذهب الأخ معاوية لشراء بعض الأغراض، وهم في عودته أن يشتري لي معه (ليمون) وهو يعلم أني بالليمون مغرم، فقال معاوية للشاب الذي يبيع الليمون ممازحا، (صلح الليمون ده كويس، ده للأستاذ جمال عنقرة) فقال له صاحب الليمون (الأستاذ جمال عنقرة الزارو الفريق كباشي في بيتو في الحتانة، والعيال أحرجونا معاهو؟) فظللنا نسترجع حديث هذا الشاب طوال مسيرنا، ونتحدث عن عمق المعني الذي تناوله، وعبقرية عبارته، (العيال أحرجونا) وعبقريتها الأعظم أن تأتي من شاب يبيع الليمون، ولا تربطه أي صلة بالفريق أول شمس الدين كباشي، ويتحدث عن الواقعة بهذا الحضور، وبهذا الإنتماء، وهذه هي الطريقة التي تعامل بها كثيرون مع ما عارف بواقعة الحتانة، وصار الناس يذكرونني بها في مواقع عدة، ولقد طغت علي تعاريف كثيرة كنت أقدم بها.
وفي مساء ذات اليوم وجدت في المواقع بيانا أصدرته الحركة الشعبية شمال جناح القائد عبد العزيز الحلو، يتهمون فيه الفريق الأول شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة الانتقالي بافشال الورشة التمهيدية لحوار السلام بين الحكومة والحركة، وقبل البيان بثوان كان قد اتصل بي ابن أختى زاهر علي يوسف يسألني عن صحة ما نسب إلى ابن خاله الفريق كباشي بأنه قد أفشل الورشة، فقلت له إن شمس الدين يعبر عن رأي وموقف دولة، ولا يتصرف من تلقاء نفسه، ثم ضجت بعد ذلك المواقع تتحدث عن بيان الحركة في شأن الورشة، وموقف الفريق كباشي، صحيح أنني وجدت مجموعة تدين موقف الفريق أول ركن شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة الانتقالي، وتحمله أوزار فشل السلام مع القائد عبد العزيز الحلو، إلا أن هناك حملة عفوية انطلقت في كل مكان، تشيد بموقف الفريق كباشي، وتعتبره موقفا وطنيا أصيلا، ووجدت أعدادا غفيرة من السودانيين من مشارف مختلفة يثمنون هذا الموقف، ويتحدثون عن شخصية الفريق كباشي القيادية الوطنية الصلبة، ويتحدثون عن سيرته العطرة التي صارت متاحة ومشاعة منذ أن كان طالبا يافعا، ثم ضابطا متفوقا في كل المجالات الأكاديمية والعسكرية والفكرية والقيادية، ولقد كان ذلك مبعث سعادة وفخر بالنسبة لي شخصيا، ليس لكونه ابن أخي فحسب، ولا لأنه انتصر لمكان الدين في حياة السودانيين، وهذا أمر أوقفت حياتي كلها له، لم أحد عنه أبدا، ولكن الذي أسعدني أكثر، أن شمس الدين بهذا الموقف انتصر للشعب أولا، ثم انتصر ثانية للمؤسسة العسكرية التي يمثلها، وجاء انتصاره هذا في وقت مفصلي من تاريخ السودان، ينظر الناس كلهم إلى مؤسسة الوطن العسكرية، وينتظرون منها مواقف حاسمة إذا أغلقت آفاق الانفراج، وصار الناس ينتظرون الفرج بأمر الله الفراج الكريم.
القضية ليست معركة بين وفد الحكومة ووفد حركة الحلو، ولا ينبغي للناس أن ينظروا إليها كذلك، صحيح أن السودان كله ينتظر سلاما شاملا، يفتح دروب الأمل لبناء ونهضة وطن شامخ عال، والعسكريون لا ينتظرونه فقط، وإنما يسعون إليه، فهم أكثر من انكوي بنيران الحروب، ولكنهم لا يريدونه سلاما علي حساب المباديء والقيم، ويريدونه سلاما يحق الحق، ويبطل الباطل، ويؤسس لسودان جديد، وهو سلام لا يجوز فيه لمن لا يملك أن يعطي أحدا حقا لا يستحقه، ومعلوم أن كثير من مفاوضات الزمن السابق لم تقم علي مباديء بقدرما قامت علي مكاسب، ولذلك لم تصمد كلها، ومن أجل أن يكون هذا السلام، هو السلام الأخير الذي لا حرب بعده بإذن الله تعالي، كان يجب علي الفريق كباشي أن يقف هذا الموقف من أجل الوصول إلى سلام مستدام بإذن الله تعالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى