دكتور علي ابراهيم يكتب : فى السرّاء والضرّاء كلّنا لبنانيون

لبنان وطن المحبة و السلام والإخاء، الذى قامت على أرضه أقدم الحضارات وأعرقها، ومن شواطئه إنطلقت بواكير المراكب والسفن، في وقت لم يكن العالم يعرف سر البحار والإبحار، ومن نفس الشاطئ، يريد الله أن يحدث الإنفجار العظيم، ليجعل الإنسانية تتحرك إيجابا، لترى بطول البصر وعمق البصيرة مأساة الإنسان، الذى يزرع الخير ثم تقوده نفسه – الأمارة بالسوء – بالتستر على الشر، وينقلب السحر على الساحر دمارا و خرابا.

لبنان الحبيب الذى قاد التنوير العربي المعاصر أدبا وشعرا ونثرا وإعلاما، وقدم تجربة فريدة في التعايش السلمي بين مكوناته الدينية والعرقية والجهوية والسياسية ووحدتها، فى ديموقراطية تعددية رفعت من شأن الإنسان العربي اللبناني، تحت مظلة التسامح والمصالحة والعدالة والشفافية وحكم القانون .
وأضحى هذا البلد العريق واحة للحرية وسط صحراء من الحكم العربي القاهر والظالم، المنتهك لكل الأعراف والتقاليد الإنسانية والقوانين الدولية، ومن خلال هذه المساحة المتاحة للحرية ظل الشباب اللبناني في حراك شعبي وثوري بغرض تطوير العملية السياسية في الشفافية والمحاسبة، وإسقاط دور التغول الطائفي في الفعل السياسي وسطوته في محاصصة لعينة، أثرث سلبا على سلطة الشعب المباشرة في الحكم والمراقبة والمحاسبة، وكانت هذه الثورة المباركة على غاب قوسين أو أدنى من النصر، قبل ظهور جائحة كورونا ولم تسقط راياتها حتى الآن.
مرت على لبنان منذ خمسينات القرن الماضي حربان أهليتان وإحتلال إسرائيلي لجنوبه، وأجتاحت قوات العدو الصهيوني أراضيه عدة مرات، وعاثت فيها فسادا وتدميرا وكانت ذات الأرض مسرحا لمعارك لا ناقة له فيها ولا جمل، ولم ينجو من التدخل العسكري والأمني السوري في أدق شؤونه الداخلية وصل إلى درجة الإحتلال.
كل هذه الأحداث الجسام التي جثت على صدره لم تشله أو تقعده، بل نهض على رجليه شامخا متحملا مسؤولية قدره ومصيره، في إعجاز قل مثيله وشمّر عن سواعد البناء والإعمار وعاد كما كان، بل أكثر قوة ليلعب دوره في التبشير بالحرية والتغيير والتبادل السلمي للسلطة.
ويقيني الأكيد أن ما أصابه من أذى ما هو إلا عارض، وعلى الرغم من فداحة المصاب وما خلفه من دمار، وفقدان لأرواح زكية وجرحى و مفقودين، إلا أن إرادة الشعب اللبناني المعهودة قادرة على تجاوز هذا المصاب والعبور إلى مستقبل زاهر بإذن الله.
لقد وحد الحدث الأليم كل الشعوب العربية قلبا وعقلا، كما لم يحدث منذ سنوات طويلة، وأضحى الوجدان والفعل العربي ملتحمان ومتسقان بما يعيشه الشعب اللبناني فى هذه اللحظات العصيبة.
كما انتفض الشعور الإنساني العالمي تضامنا مع الشعب العربي اللبناني، فى وقت كنا نظن بأن الإنسانية قد توارت خلف عالم أضحت الماديات توجه بوصلته، نحو مسارات المصالح التى لا تهتم بجوهر الإنسان.
ندعو الله أن يشمل الشهداء بالرحمة والغفران، ونتمنى عاجل الشفاء للجرحى والمصابين، وأن يحفظ الله لبنان من كل مكروه، وصادق العزاء والمواساة للشعب اللبناني الشقيق.
الحزب الاتحادي الديمقراطي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى