أخر الأخبار

ضل التاية – بروفيسور إبراهيم محمد آدم – انتبهو أيها السودانيون المبادرات الخارجية لا تهدف الى وقف الحرب (3-4)

إن سياسة فصل الجنوب قد رسمها السير هارولد ماكمايكل أو ( ماكميك كما نقول في السودان) السكرتير الإداري لحكومة السودان الإنجليزي والذي كما أشرنا سابقاً قد ألف كتاباً اعتمدت عليه حكومته في إدارة السودان اسماه ( تاريخ العرب في السودان )، في ذلك الكتاب تبنى ماكمايكل سياسة مناهضة لعقيدة أمومية نظم توريث النوبة التي ساد بها العرب المسلمون على النوبة في الشمال.
وذلك الكتاب إلى جانب كتاب القس جون سبينسر تريمنغهام ( الإسلام في السودان ) شكلا مرجعيةً أساسيةً للتعامل مع الأوضاع في السودان وملخص هذا الكتاب أن الدين في السودان غير ملتزم به كما في بقية دول الشرق الأوسط. ولعل بؤس تديننا وتقديسنا للقشور جعل تريمنغهام شخصياً صاحب القصة الشهيرة التي حاول فيها تنصير أحدى الفتيات بأم درمان فاستنجدت والدتها بالأهالي فنجت تلك الفتاة، وقد خلدت قصتها تلك في قصيدة الشاعر يوسف مصطفى التني( ما بهاب الموت المكشر وما بخش مدرسة المبشر ) وقد كان ترمينغهام يشير إلى وجود ممارسات إسلامية سودانية قد نصفها بأنها بدع سافرة، استخلص منها نتيجة مفادها أما أن السودانيون مسلمون غير ملتزمون أو إن إسلامهم يختلف عن إسلام الشعوب الأخرى، غير أنه وآخرون يرون في إيمان عميق بأن هذه المسألة متروك الحكم فيها لربهم الذي خلقهم.
ورغم أن السياسة لا يجب ان تنفصل عن الدين كما هو الحال في أوروبا نفسها والتي ترفع الصليب في جل أعلامها وتسمي أحزابها بالحزب الديمقراطي المسيحي أو المسيحي الاجتماعي وتحجر علينا عبر وكلاءها بالداخل عدم تسمية أى حزب بالإسلامي فإن كل الدول الأوروبية كان مدخلها الاستعماري تبشيرياً.
إن التدخلات الاجنبية في الشأن السوداني قد ازدادت بما عقد الأوضاع تماماً فوصلنا إلى هذه الحرب الحالية فقد كان المثال في انتفاضتي أكتوبر ١٩٦٤ وابريل ١٩٨٥ قيام حكومة انتقالية لفترة ستة أشهر كما في حكومة ما بعد اكتوبر وسنة واحدة في حكومة ما بعد أبريل ولكن حكومة ما بعد ثورة ديسمبر كانت التدخلات الأجنبية فيها كثيفة جداً نتيجة لارتباطات الأحزاب السودانية جميعاً بالأجنبي منذ مرحلة الحركة الوطنية حيث كان حزب الأمة حليفاً لبريطانيا، بينما كانت الحركة الاتحادية وثيقة الصلات بمصر و لا تزال ، وإن كان التحالف مع مصر كما أثبتت التجارب جميعها لاحقاً أن فيها الكثير من وحدة المصير والمصالح المشتركة والتداخل الشعبي الناتج من الوشائج التاريخية وصلات القربى. وبذات التأثير جاءت الحركة الاسلامية امتداداً لحركة الاخوان المسلمين في مصر وارتبطت بها في المراحل الأولى ثم انفصلت عنها منذ العام 1954م ، أما أحزاب اليسار ونأخذ منها الحزب الشيوعي مثالاً فيكفي اسمه ليكون فرعاً لحزب في ما وراء البحار وليس ارتباطاً به فقط وكذا الحال بالنسبة لحزب البعث العربي الاشتراكي وفروعه المختلفة، إذ ان رئيس الحزب هو عضو القيادة القومية لحزب البعث ورئيساً للحزب في القطر السوداني، أالآن وقد سقط حزبا البعث في سوريا والعراق فذاك تعقيد اكثر لموقفه ومشروعيته ومصادر تمويله .
تلك الارتباطات الأجنبية العميقة كانت سبباً أساسياً في ارتهان القرار للأجنبي في كثير من الأحيان خاصة إذا كان ذلك الأجنبي يقوم بالتمويل المالي والتوجيه الحزبي وفق مصالح الحزب الأم في المقام الأول والتمكين للحزب الفرع ثانياً لرعاية ذات المصالح المشار إليها.
بناء على تلك الخلفية كان التدخل الدولي كثيفاً ما بعد سقوط الإنقاذ ومنه تدخل الايقاد بقيادة الاثيوبي السفير محمود درير والاتحاد الافريقي عبر الدبلوماسي المغربي محمد بلعيش الممثل الخاص لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى ورئيس مكتب اتصال الاتحاد الإفريقى فى السودان والدبلوماسي الموريتاني البروفيسور محمد ولد لباد رئيس بعثة الوساطة وما رشح عن تنسيق ولد لباد مع بعض الجهات اليسارية نتيجة للخلفية التي تجمعهما، ويلمح ذلك بوضوح في كتابه (السودان على طريق المصالحة) حيث يوثق الكتاب تجربة الوساطة التي قادها هذا الدبلوماسي كرئيس لفريق الاتحاد الإفريقي في السودان، فقال إن المهمة قد بدأت في 21 أبريل 2019، بعد 10 أيام فقط من الإطاحة بالبشير، وسط أوضاع سياسية معقدة وحالة من الشلل المؤسسي في الخرطوم.
يضاف إلى هذا دور رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد الذي زار السودان وكان له دور في الوصول الى تلك الوثيقة الدستورية التي وقُعت بحضور الاتحاد الافريقي وكانت تلك هي المرة الأولى في تاريخ السودان أن يتم وضع دستور له بمشاركة الأجانب، نُصَ فيه على فترة انتقالية تساوي ثمانية مرات طول الفترة الانتقالية بعد ثورة اكتوبر واعيد حساب تلك الفترة كما يقولون بتصفير العداد بعد توقيع اتفاقية سلام جوبا واستمرت حتى يوم الناس هذا باسم الحكومة الانتقالية وبعدها تواصلت تدخلات سفارات بريطانيا وامريكا والسعودية والامارات في مفاوضات تشكيل الحكومة واصبحت السفارات مزارات للسياسين الطامحين في الوصول الى السلطة عبر الاجانب وبدلاً من أن يكون التواصل غير المأذون ُسُبة أصبح رَغبة للكثيرين وأمراً عادياً وقد افضى هذا التدخل الى تشكيل ما سمي بالرباعية الدولية والتي واصلت أدوارها السالبة في تعميق الانقسام الذي وصل الى تشظي تحالف الحرية والتغيير نفسه إلى المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية، ثم إلى مسميات عديدة لاحقة .
وكأن تلك التدخلات غير كافية حين طلب رئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك في خطاب سري الى الأمين العام للأمم المتحدة تكوين بعثة أممية شاملة للسودان كله بدلاً عن بعثة اليوناميد التى كان عملها قاصراً على دار فور والأكثر غرابة ان رئيس مجلس السيادة نفسه قد علم بذلك الخطاب بعد وصوله الى بعثة السودان في الامم المتحدة وقد تم تعديله بعدها وكانت نتيجته احضار بعثة الامم المتحدة لدعم الانتقال والتحول الديمقراطي اليونتامس، حيث جاء رئيسها فولكر بيرتس بصلاحيات مندوب سامي أو حاكم عام فواصل تدخلاته في الشأن السوداني بإقصاء العديد من الأطراف السودانية الفاعلة حتى توصل الى دستور غريب أعدته جهات خارجية وأُوحي الى نقابة المحامين أن تتبناه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى