الصافي سالميكتب .. كلام سياسية … “العلم ليس قماشة… بل روح وطن”

في لحظةٍ شديدة الحساسية اول مرة اختلف مع رمز السيادة الوطنية سعادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الإنتقالي ، الذي دعا إلى إعادة رفع علم السودان القديم الذي حمله الآباء في زمن الاستقلال. كان استقلال السودان فجرًا لوحدةٍ لم تكن تعرف الانقسام ولا التمزق. ورغم احترامي٠ الكبير لأمير المؤمنين قائد قواتنا المسلحة إلا أن توقيت هذا الطلب يحمل الرمزية أكثر مما يحتمل النص.فالعلم بالنسبة للسودان ليس مجرد قطعة قماش، بل هو ذاكرة أمة، ووحدة تراب، وصوت تضحيات الآباء الذين كتبوا وثيقة الاستقلال بدمائهم قبل أقلامهم. لكن المخاوف التي عبّر عنها المواطنون عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا تقل وطنيةً عن المقترح نفسه. فالشعب السوداني، الذي ذاق مرارة انفصال جنوب السودان عام 2011، لا يزال يحمل جرح التقسيم المخيف في روحه. يخشى أن يكون أي حديثٍ عن تغيير رموز السيادة إشارةً إلى قادمٍ غامضٍ لا نعلمه، في وقتٍ لا تزال فيه وحدة السودان في امتحانٍ عسير.العلم الذي يرفرف اليوم في سماء البلاد هو ذاته الذي شهد سقوط الانفصال وقيام الانقسام، وهو العلم الذي نظر إليه الأطفال حين انشطرت البلاد نصفين. فكيف نعيد تغييره الآن وهم لا يزالون يتعلمون معاني الوحدة والصمود؟ليس رفضًا للرأي، ولا اعتراضًا على القيادة، بل هو خوف مشروع على مستقبل وطن. التجارب السودانية علمتنا أن الرموز حين تتبدّل في أوقات الاضطراب، فإنها لا تبدّل شكل الرايات فقط، بل تفتح باب التأويلات العميقة، وتربك وجدان الأجيال الناشئة.الشعب السوداني يقول بوضوح: نحترم رأي القائد، ونجلّ صاحب المقترح، لكننا نخشى على وحدة الوطن. نخاف من تغيير العلم في هذا التوقيت، لأن التاريخ لا ينسى، والأجيال لا تحفظ الرايات بعقولها فقط، بل بقلوبها أيضًا. فحفظ وحدة السودان لا يكون بتبديل الرموز، بل بحمايتها. لأن العلم في الأمر ليس شكل دولة… بل روح وطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

15 − أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى