أخر الأخبار

قراءة في كتاب البروفيسور عبد اللطيف البوني نكبة شمال الجزيرة(1-2)

بقلم :
بروفيسور إبراهيم محمد آدم

نظم المنتدى الثقافي لجمعية اسناد بالقاهرة مناقشة لكتاب البروفيسور عبد اللطيف البوني حول تداعيات حرب ابريل 2023م ، نكبة شمال الجزيرة نموذجاً وذلك في يوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025م، ادار الندوة باقتدار السفير العبيد أحمد مروح .
وقد جاءت مداخلتي حول ذلك الكتاب على النحو التالي: في يوم الإثنين الذي تلى الحرب بيومين كان موعدنا أن نلتقي مع بروفيسور عبد اللطيف البوني لتسلم ملفاً يخص إحدى الزميلات ولكن السبت يومها لم يكن أخضراً كما هو عنوان برنامجه الأثير على قناة النيل الازرق.
في ذلك السبت غشي الخرطوم الدخان الأسود الذي حجب وراءه كل زخرف تزينت به الأرض كما قال تعالى في كتابه الكريم:(إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) – يونس
نعم أتى أمرُ الله ضحى ونحن نلعب مصداقاً لقوله تعالى :(ولَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) – الأعراف.
كان الأمر بعدها أشبه بيوم القيامة : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37- عبس .لم أسأل بعدها عن استاذي البوني ولا هو سأل فكلانا لديه ما يشغله وكان ذلك أشبه بفقد آل جعر الذين أمر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأن يصنع لهم الطعام  لما جاء نعيُ جعفرِ بنِ أبي طالبٍ رضِيَ اللهُ عنه عندما قُتِلَ في غزوةِ مؤتةَ في أرضِ الشامِ: لأنه أتاهم ما يشغلُهم أي: ما يَحدُثُ لهم مِن حزْنٍ وهَمٍّ وغَمٍّ، فهل تأسينا كلنا نحن السودانيون بهذا الحديث فأصبحنا كآل جعفر عند كل وفاة .فالبكاء عندنا بكثرة لدرجة أننا نسمي بيت العزاء بيت البكا وكان ذلك عنوان كتاب شهير للمؤرخ والأعلامي الطيب محمد الطيب رحمه الله.
صام بروفيسور البوني عن الكتابة لمدة طويلة ربما أنه قرر الاعتذار في قمة المجد على طريقة نجوم كرة القدم حتى فاجأنا بذلك المقال عنوان الكتاب وقد دعانا للتأريخ لهذا الحدث الجلل كل على شاكلته، فتلك نصيحة غالية ونحن شعب معروف بالحكي وعدم التدوين فيصبح تأريخنا حصيداً تزروه الألسنة زيادة أو نقصاناً، في ذلك المقال عرفت أن البروف قد خرج بسلام وفي مكان آمن وإلا ما استطاع كتابة ذلك المقال بتلك الصراحة لدرجة تمني الموت الذي اصبح شافياً، وغبطه لآخرين مثل الراحل صديق مضوي، أنهم أوفر حظاً لأنهم ماتوا قبل تاريخ 15 ابريل 2023م فلم يشهدوا تلك الفظائع والغبطة هنا هي الحسد الطيب لاولئك الأصدقاء، صمت البروف حينها، كان قسرياً فالنطق بأي كلمة غير مفهومة للجنجويد وانت بينهم معناه تذكرة سفر للدار الآخرة نتاج طلقة يطلقها عليك من يتباهى بكم أزهق من أنفس كما ظهر في بعض مقاطع صورهم الأخيرة، والبوني مولع جدا باللعوتة حد العشق فهو لا يغيب عنها ولا يفضل المبيت خارجها، وله في ذلك حكايات مع بص الحبيب ومن بعده الحافلات السفرية او سيارته الخاصة
استجابة للدعوة تلك كتبت مقالاً سكبت من خلاله دمعات عزاز على ما حل بنا جميع من فواجع في تلك الأيام النحسات، وعندما جاء بروفيسور البوني إلى القاهرة وعرفت ذلك عن طريق صديق مشترك لمته انه لم يخبرني بذلك الخبر السعيد فشرفني بزيارة في المكتب كان نتاجها فكرة أن نجمع المقالات التي كتبت مجاراة ورداً على مقاله الأصل لنطبعها في كتاب ، ثم أردف الفكرة باستكتاب آخرين لم تسعفهم المبادرة بادئ الأمر وبحمد الله تم له ذلك فبلغت المقالات خمساً وعشرين وها أنتم اليوم تستمتعون بقراءة كتاب بلغت صفحاته مائتي وخمسة عشرة صفحة في طباعة أنيقة تصدت لها دار المصورات للنشر والطباعة والتوزيع .
تواضع البروف كعادته فقال أن تلك محاولة متواضعه لتوثيق العدوان، والحق أقول تلك كانت أول محاولة جادة ليوميات حرب من استاذ ضليع في مجال السياسة والثقافة والتاريخ والإعلام حيث له في كل ذلك باع طويل، ربما نتفق معه أن الكتاب غطى أحداث منطقة شمال الجزيرة ولكنها مثالاً لكل ما حدث في السودان من مجازر في ود النورة والسريحة والفاشر والهلالية والجنينة و في صالحة وإيد الحد وقرى كردفان ودار فور .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة + 20 =

زر الذهاب إلى الأعلى