أخر الأخبار

تعزيز المرونة الوطنية .. رؤية لتمكين العمل الإنساني السوداني

 

بقلم: د. زحل السعيد عثمان خبيرة في الشؤون الإنسانية والسياسات الإقليمية*

لقد أثبتت التطورات الأخيرة في السودان منذ اندلاع أحداث أبريل 2023 حقيقة راسخة، وهي أن الشعب السوداني يمتلك إرادة صلبة وقدرة ذاتية على التعافي والبناء والتنمية. هذه القدرة، مدعومة بجهود الشباب ومنظمات المجتمع المدني، كشفت عن نموذج فريد من التكافل والوطنية، مؤكداً المعنى الحقيقي للإنسانية داخل حدود الوطن.

*المنظمات الوطنية شبكة الأمان الحقيقية في زمن الأزمة*

شكّلت المنظمات الوطنية والجهود الطوعية الفردية الركيزة الأساسية لدعم الشعب السوداني خلال أوقات الشدة. لقد تجاوزت هذه الكيانات دورها التقليدي لتصبح شبكة الأمان الحقيقية عبر أدوار محورية تمثلت في توفير المأوى والدعم اللوجستي العاجل للنازحين داخلياً.
بالاضافة إلى إقامة “التكايا” ونقاط توزيع الغذاء للتخفيف من وطأة الجوع وتقديم العلاج والمساعدة الطبية في ظل تعطل أو انهيار المؤسسات الصحية الرسمية.
هذا الصمود الشعبي القائم على المبادرات الذاتية يبعث برسالة واضحة، وهي إمكانية تحقيق التعافي والتنمية في السودان اعتمادًا على القدرات المحلية دون أن يكون الجهد الخارجي هو الشرط الوحيد للنهوض.

*خارطة طريق لتمكين العمل الإنساني الوطني*

انطلاقاً من هذه القوة والإرادة الشعبية، يصبح لزاماً على الدولة ومؤسساتها الرسمية الالتفات إلى دعم هذه المنظومات الوطنية وتمكينها بشكل ممنهج، يتمثل في إنشاء مركز وطني للتدريب وتأهيل الكوادر الإنسانية.
كما يُقترح أن تتولى مفوضية العون الإنساني أو جهة حكومية/شبه حكومية مماثلة إنشاء مركز تدريب متخصص يهدف إلى احترافية القطاع الإنساني الوطني، وتقديم دورات متقدمة في أسس العمل الإنساني، القانون الدولي الإنساني، وإدارة الكوارث والأزمات. مع إصدار شهادات معتمدة للمتدربين الناجحين، تكون بمثابة تأهيل مهني معترف به دولياً ومحلياً، علي أن يتم التركيز على مجالات دقيقة مثل الدعم النفسي والاجتماعي، والإدارة اللوجستية، وحماية الفئات الأكثر ضعفاً.
إنّ إطلاق حملات توعية وطنية شاملة
يجب ان يسلط الضوء على الأثر الإيجابي للعمل الطوعي في بناء روح التعاون وتعزيز الهوية الوطنية وتثقيف المجتمع بالأساسيات الأخلاقية والمهنية للعمل الإنساني، بما يضمن الحيادية والنزاهة والمساءلة.
كما يجب على المؤسسات الحكومية، وخاصة مفوضية العون الإنساني، التحول من نظام الإشراف إلى نظام الشراكة الاستراتيجية مع المنظمات الوطنية، عبر تسهيل التسجيل والعمل وتبسيط الإجراءات البيروقراطية لتوفير بيئة عمل داعمة وغير معوقة. بالاضافة الي توفير الإمكانات اللوجستية الأساسية (كالتصاريح والحركة) والدعم الفني المتخصص.
ما يجعل إدماج المنظمات المحلية في التخطيط وإشراك المنظمات الوطنية بشكل مباشر في عمليات التخطيط والاستجابة لضمان أن تكون المساعدة ملائمة للاحتياجات المحلية وذات ملكية وطنية.

*الاستثمار في القدرة الذاتية*

إن الروح التي أظهرها الشعب السوداني ومنظماته الطوعية تمثل رأس المال الحقيقي للبلاد. إن دعم هذا التوجه عبر الاستثمار المؤسسي في التدريب، التوعية، والشراكة لن يعزز فقط قدرة السودان على التعافي الذاتي، بل سيخلق جسراً بين الإرادة الشعبية والعمل المؤسسي، ويسهم في بناء جهاز إغاثي وطني محترف ومستدام قادر على مواجهة تحديات المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

9 − ثمانية =

زر الذهاب إلى الأعلى