أخر الأخبار

صحفي سعودي .. لماذا يجب أن ندعم الجيش السوداني؟

بقلم : محمد العرب

في السودان اليوم، لا يدور صراع عادي، ولا خلاف سياسي، ولا تنافس على سلطة. ما يحدث أخطر بكثير: إنه صراع بين من يريد دولة… ومن يريد غابة. بين مؤسسة وطنية حملت السودان لعقود، وجماعات مسلحة تُقاتل بمنطق (الغنيمة) وتتحرك بأجندات خارج حدود الوطن.

ولذلك فإن دعم الجيش السوداني ليس موقفاً سياسياً ، بل خط دفاع عن وجود السودان نفسه.

السؤال الحقيقي لم يعد: من يحكم؟

بل: هل سيبقى السودان بلداً، أم يتحول إلى أرضٍ بلا سيادة وبلا مستقبل؟

انقل لكم ما شاهدته على الارض اثناء زيارتي لهذا البلد الجريح ، منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب الأخيرة، ظهر المشهد كما هو دون رتوش: مليشيات منظمة على الفوضى، تتحرك وفق مصالح خارجية معلنة ومخفية، تسعى إلى خلق واقع جديد ينسف فكرة الدولة المركزية. وفي المقابل، جيش وطني متماسك رغم النزيف الكبير، يقاتل عن العاصمة تارة، وعن الولايات تارة أخرى، وعن مبدأ وجود السودان نفسه في كل مرة.

المليشيات لم تدخل الخرطوم لتحمي أحداً ، بل دخلتها بعقلية (الفتح والغنيمة) استباحت البيوت، المراكز الطبية، المؤسسات الحكومية، الممتلكات الخاصة، وحتى الأسواق. وبدل أن تقاتل كقوة سياسية لها مشروع، قاتلت كقوة انفلات لا تُشبه الدولة، ولا تريد أن تشبهها.

لقد تحولت الحرب إلى مرآة عكست حقيقة السودان:

هناك طرف يريد بناء دولة، وطرف يريد طيّ الدولة من الوجود.

أما الجيش السوداني، فهو ليس مؤسسة طارئة ولا قوة جاءت من هامش المجتمع، بل هو المؤسسة التي تشكّل وعي السودان الحديث حولها. هو ذراع الدولة وعمودها الفقري منذ ما قبل الاستقلال. كلّ إصلاح، كلّ وحدة، كلّ بناء، كلّ انتصار صغير أو كبير، كان خلفه الجيش السوداني. وحتى حين اختلفت السياسات، بقي الجيش هو الخط الأحمر الذي من دونه ينهار كل شيء.

بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، لم يتراجع الجيش أمام عاصفة الحرب النفسية ولا العسكرية. الرجل لم يختفِ، لم يتنازل، لم يغادر البلاد، بل ظلّ يقاتل على جبهات متعددة:

جبهة سياسية لإبقاء السودان دولة لا ميليشيا.

جبهة عسكرية لاستعادة المدن المحتلة.

وجبهة دولية لضمان عدم تحويل السودان إلى ليبيا جديدة أو سوريا أخرى قبل رحيل الطاغية بشار…

البرهان، رغم كل الضغوط والخسائر، اختار أن يحمل عبء السودان على كتفيه، وأن يقف في وجه أكثر المخططات تعقيداً في تاريخ بلاده. وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها: لولا الجيش والبرهان، لسقط السودان في الأشهر الأولى للحرب.

أما الحكومة الشرعية، فهي تعمل في واحدة من أصعب البيئات في التاريخ الحديث. لا كهرباء مستقرة، لا بنية تحتية كاملة، لا مؤسسات تعمل بطبيعتها، ومع ذلك تحاول ترميم العلاقات الدولية، وبناء أدوات جديدة لإدارة الدولة في ظل الحرب، والتواصل مع الدول الصديقة، وإعادة تعريف أولويات البلاد.

هذه الحكومة — ورغم كل الانتقادات — تبقى هي الإطار الشرعي الوحيد الذي يمكن أن يُعاد بناء السودان من خلاله. أما المشاريع البديلة فهي مشاريع فوضى تختبئ خلف شعارات براقة، لكنها في العمق لا تريد دولة بل سلطة فوق أنقاض الدولة.

السؤال الذي يجب أن يطرحه كل مواطن عربي وكل سوداني بشكل خاص:

هل يمكن أن يستمر السودان بلا جيش؟

التجارب في الإقليم واضحة وصادمة:

كل دولة خرج منها الجيش… دخلتها الفوضى، الميليشيات، التفكك، المافيات، والاحتلالات المقنّعة.

الدولة بلا جيش تتحول إلى خيمة بلا أعمدة، وأي ريح يمكن أن تطير بها.

الجيش السوداني لا يدافع اليوم عن نفسه، بل يدافع عن وحدة السودان الجغرافية والدولة الوطنية وسيادة القرار و مستقبل العاصمة وعودة الملايين من النازحين ومنع السودان من التحول إلى مرتع لمجاميع المرتزقة.

أما المليشيات فهي تدافع عن مكاسب من دم الشعب: الذهب، المزارع، الممتلكات، مخازن الإغاثة، شوارع المدن… ولا مشروع لها سوى مشروع الفوضى.

لقد دخل السودان مرحلة خيار واحد:

دعم الجيش… أو انتظار انهيار الدولة.

دعم الجيش ليس رفاهية، بل ضرورة وجودية.

ليس انحيازاً لطرف سياسي، بل انحياز لحق الناس أن يبقوا مواطنين لا رهائن.

ليس دفاعاً عن السلطة، بل دفاعًا عن السودان.

البرهان يقود معركة وطن، والجيش يقاتل نيابة عن شعب، والحكومة الشرعية تقف في أخطر نقطة بين بقاء الدولة وانهيارها.

أما المليشيات… فهي مشروع موت، لا يريد أن ينتهي إلا بانتهاء السودان.

لهذا يجب أن ندعم الجيش السوداني… لأنه آخر ما تبقى من الدولة، وآخر ما يحفظ السودان من السقوط، وآخر ما يمكن أن يبني مستقبلاً واضحاً لهذا البلد الذي يستحق السلام، لا الخراب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

11 + ثمانية عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى