
منذ اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل 2023 بادرت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية إلى طرح منبر تفاوضي يهدف إلى وقف إطلاق النار، وذلك في 6 مايو 2023، أي بعد أقل من شهر على بداية الصراع. وما تبع ذلك من تطورات بات معروفًا للكافة، إذ شهدت الساحة السودانية مبادرات عديدة، إلا أن السلطات السودانية تمسكت بمنبر جدة دون سواه، وما تضمّنه من شروط موضوعية تصلح لأي زمان طالما أن الحرب مستمرة.
أسوق هذه المقدمة للتذكير بالدور السعودي، السابق واللاحق، والذي ظهر بوضوح أمس عندما شرح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للرئيس الأميركي دونالد ترمب أبعاد الأزمة السودانية خلال زيارته للولايات المتحدة التي اختتمت أمس. وقد أعقب ذلك تصريحات إيجابية من ترمب، أوضح فيها أنه لم يكن على دراية كافية بتفاصيل الصراع، وأن شرح ولي العهد دفعه إلى التحرك الفوري للنظر في الملف.
وربما لم يكن ترمب، فعليًا، مطّلعًا على عمق الأزمة رغم وجود مبعوث أميركي ظل يصرّح ويجول مستندًا إلى موقف الرباعية، التي كان الرئيس الأميركي يبدو غير مكترث بها، وهو ما أكده بقوله إن الملف لم يكن ضمن أولوياته قبل هذا الشرح المفصّل.
صحيح أن ترمب تطرق إلى الرباعية عبر تغريدة في منصة “إكس”، مشيرًا إلى نيته العمل معها من أجل السلام، لكن يبدو أن التفاصيل التي نقلها له الأمير محمد بن سلمان — المستقاة على الأرجح من اتصال جمعه برئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان حسبما أورد موقع “ميدل إيست” — أظهرت للرئيس الأميركي الصورة الكاملة، بما في ذلك موقف الحكومة والشعب من الرباعية نفسها، التي تعد السعودية أحد أعضائها. كما أن بعض الدول الصديقة داخل الرباعية تبدو أقرب إلى أداء دور بروتوكولي، لا سيما أنها تتأثر هي الأخرى بفوضى الوضع الأمني في السودان.
وإذا كان ترمب جادًا بالفعل في السعي لإحلال السلام، فإن عليه التوجه نحو مخاطبة الإمارات، التي تموّل الحرب بالسلاح والمرتزقة وتستميل دولًا أخرى للانضمام إلى محورها. فلو رفعت الإمارات يدها عن هذا السلوك لتوقفت الحرب على الفور، خاصة وأن قوات الدعم السريع أصبحت تعتمد بشكل كامل على مقاتلين مستجلبين من دول متعددة.
وخلال كلمته في منتدى الاستثمار السعودي–الأميركي في واشنطن، قال ترمب إنه مارس ضغوطًا اقتصادية على الهند وباكستان لمنع اندلاع حرب نووية بينهما، كما نقلت صحيفة السوداني. وإذا كانت هذه أدواته في وقف النزاعات وأتت بنتائج إيجابية، فليستخدمها إذن مع الإمارات—ما لم تكن بالنسبة له حليفًا يستعصي تطبيق الضغط عليه.
وقد احتفت قوى “قحت” أمس بتصريحات ترمب، في قراءة مغايرة لقراءة الوطنيين والسلطات السودانية؛ إذ رأوا فيها دعمًا للرباعية التي يسعون جاهدين لإعادتها إلى المشهد السياسي ومن ثم إعادتهم. بينما يرى غالبية السودانيين وقبلها السلطات أن أي تحرك إيجابي يجب أن يُبنى على ما خرج به منبر جدة وشروطه، وهو ما أكده ولي العهد خلال حديثه مع ترمب.
إن المبادرة المهمة التي طرحها الأمير محمد بن سلمان، وما تبعها من بيانات، وجدت ترحيبًا رسميًا وشعبيًا واسعًا، إذ بدت أكثر جدية وموضوعية واحترامًا لسيادة السودان. ونستشعر فيها إخلاصًا وحرصًا نتمنى ألا يتوقف عند هذا الحد، بل أن تُتابع المملكة والسلطات السودانية تنفيذ ما نُوقش، ليصبح واقعًا ينهي معاناة شعب أنهكته الحرب ومزقت جسده ووجدانه.
شكرًا للمملكة العربية السعودية، وشكرًا لسمو الأمير محمد بن سلمان… فـ الخيل الأصيلة تأتي في اللفة.



