
بعد تحرير الخرطوم تداعى العديد من الناس للعودة الى ديارهم بعد ان ذاقوا الأمرين في الكثير من الأحيان في معسكرات النزوح واللجوء فلا راحة للمرء إلا في داره وحسناً فعلت منظومة الصناعات الدفاعية وروابط المدن مثل رابطة أبناء ود مدني بالقاهرة والروابط الاخرى وكذلك الانصرافي والفنانة ندى القلعة وغير ذلك من المنظمات والشركات والأفراد فالإعمار لا يتم إلا بوجود المواطن، والدولة قد شكلت لجنة عليا لإعادة الحياة إلى العاصمة باعتبارها مركز الثقل السكاني وربما يطبق ذلك في بقية الولايات التي تم تحريرها في معارك الكرامة ومن الخطوات الموفقة لتلك اللجنة ان جعلت إعادة خدمات المياه والكهرباء والتعليم والصحة مقدمة على الصرف على المقار الحكومية الأخرى ذات الارتباط والتعامل غير المباشر مع المواطن والتي تم تخصيص مقار بديلة لها.
إن جهداً كبيراً قد بذل في إعادة خدمات الكهرباء والمياه الى معظم أحياء العاصمة فحدث استقرار كبير في هاتين الخدمتين وانخفضت أو تلاشت معدلات مرض الكوليرا وحوصرت حمى الضنك التي انتقلت الى العاصمة مع الذين عادوا إليها من الولايات الأخرى بعد أن كانت منحصرة في مناطق معينة بعد أن تم ضخ كميات كبيرة من المياه في الخطوط الناقلة لتنظيفها من بقايا ما علق بها طوال عامين كاملين من الاغلاق بفعل المليشيا التي لا تعرف سوى الخراب والدمار .
وإلى جانب ذلك قامت العديد من حملات جمع الجثث إذ لم تعد هناك أي منها في الشوارع والبيوت وتم رش الولاية جوا وبرا في كثير من الاحياء لمكافحة البعوض والحشرات التي ساهم في انتشارها تلوث البيئة لعامين كاملين بسبب الذخائر والمتفجرات وان كانت بعض المناطق تحتاج إلى تعقيم شامل فقد أصبح البعوض يساكن الناس نهاراً جهاراً بعد أن كان نشاطه ليلاً .
وعلى صعيد التعليم فقد اجريت في ولاية الخرطوم والولايات الأخرى التي تم تحريرها كل امتحانات المراحل الدراسية المختلفة وانطلق العام الدراسي الجديد في ولاية الخرطوم للمدارس الخاصة منذ بداية شهر اغسطس الماضي وفي سبتمبر هذا بالنسبة للمدارس الحكومية لجميع الفصول ،وعلى صعيد المواصلات الداخلية فقد اصبحت الخطوط تعود الى العمل كل يوم بامتداد جديد بعد أن كانت الوجهة الوحيدة هي سوق صابرين من كل مناطق الولاية الأخرى واصبحت تعرفة الخطوط تنخفض كل يوم مع زيادة العائدين ودخول عربات جديدة الى الخدمة كانت متوقفة أو عاملة في الولايات الأخرى ، ولعل كل هذا النشاط والحراك يشير الى ان الحياة قد عادت الى طبيعتها.
الأسواق أيضا قد عادت من جديد ومن بينها سوق ام درمان وشارع الحرية حتى الامدادادات الطبية حيث تجد الباعة والسماسرة يلقونك في أول الشارع، ونفس هذا الحال ينطبق على سوق السجانة لمواد البناء والكهرباء والسباكة وكل الانشطة ذات الصلة والسوق المركزي للخضر والفواكه في الخرطوم.
وكذلك أصبح السوق المركزي الجديد للفواكه والخضروات في كرري من أكثر الأسواق حركة لأن أم درمان عموماً قد اصبحت تضج بالحياة وقد توسع نشاط سوق صابرين ليبدأ من لفة الزرائب بالحارة 38 الثورة حتى الحارة 17 شرقاً، وجنوباً حتى تقاطع مركز التهامي الطبي وشمالاً لما يقارب طريق كبري الحلفايا، وبالتأكيد عند عودة المواطنين إلى الأحياء الأخرى سيتحول هذا النشاط التجاري اليها بأكثر مما هو متاح حالياً فوجود البشر هو الذي يوفر الخدمات ويطرح السلع لأن هناك من يحتاجها، ومن هنا نوجه الصوت عالياً الى كل مواطني بلادي في الداخل والخارج أن عودوا الى دياركم فنحن من نفر عمروا الأرض حيثما رحلوا.