بقلم : أمل أبوالقاسم
لا أحد ينكر أن للإعلام دورًا مؤثرًا وقدرته على تغيير أنظمة الحكم، ولنا في التاريخ شواهد واضحة:
الإعلام لعب دورًا حاسمًا في إسقاط نظام الأبارتايد بجنوب أفريقيا من خلال فضح الانتهاكات والضغط الدولي.
كما ساهم في ثورات الربيع العربي عبر وسائل الإعلام التقليدية والجديدة التي أطلقت أصوات الشارع وربطت الداخل بالعالم الخارجي.
لكن، في ظل انفجار وسائل الإعلام والميديا، أصبح الجميع إعلاميين ومنظرين، يحملون قلم التصحيح والتوجيه، خصوصًا في السودان. وهنا، تفاقمت المشكلة: كل من يكتب أو يظهر في بث مباشر يرى في نفسه سلطة لتقييم الوزراء والمسؤولين، حتى أصبحنا نشهد تغييرات متكررة في الوزارات، ليس لأسباب مؤسسية، بل نتيجة حملات إعلامية وضغط منظم أو غير منظم. مثال ذلك ما حدث في وزارة الخارجية حيث تعاقب على المنصب خمسة وزراء في فترة وجيزة نتيجة هجمات وانتقادات إعلامية متكررة.
المعضلة أن القيادة ترضخ لهذا “الهوج الإعلامي”، فتستجيب بإعفاءات سريعة، لتقف بعدها في حيرة أمام فراغات جديدة، في وقت تتسارع فيه المتغيرات الداخلية والخارجية على رأس كل ساعة. وهكذا تُخلق فجوات أكبر من أن تُسد بسهولة.
آفة الحكم عندنا – وربما في معظم الدول – الرضوخ للابتزاز، أحيانًا من إعلاميين أو ناشطين ذوي أجندات خاصة أو مصالح ضيقة. فبدلًا من أن يكون النقد وسيلة للإصلاح، يتحول أحيانًا إلى أداة لإسقاط الأشخاص لا الأفكار، وتشويه السمعة لا تصحيح المسار.
هنا يبرز السؤال: كيف نتقدم؟ وكيف يعمل المسؤولون في ظل هذا الضجيج الذي لم ولن يجد من يلجمه، إذا كانت قرارات الدولة تبنى على ضغط الميديا لا على قراءة الواقع الموضوعي؟
قلت : إن الإعلام قادر بالفعل على التغيير، لكنه عندنا “مفتوح على البحري” بلا ضوابط ولا التزام بالمسؤولية. ولا ضير في الأخذ بالنقد البناء، لكن الأفضل أن يُرفق النقد بمقترحات عملية. لو أن كل ناقد – صحفيًا كان أو ناشطًا – قدّم مع نقده حلولًا واقعية، سيما و أن بعض المسؤولين فتحوا أبوابهم توسما لجلسات “عصف ذهني” مع الإعلاميين، ما بعني ايمانهم بمقدرات البعض في تقديم مشورة .. ولكن..
أما حملات النقد الجارفة، أو الحملات المنظمة لإسقاط وزير أو مسؤول بعينه، فلن تقودنا إلا إلى هاوية أعمق مما نحن فيه الآن.
رسالتي في هذا المقال موجهة من قمة الدولة إلى أصغر موظف فيها:
ثقوا في أنفسكم وفي عملكم، وقدموا ما ينفع البلاد المنهكة دون الالتفات إلى الأصوات النشاز. وإن كنتم تثقون فعلًا في قدراتكم، فابتعدوا عن استخدام الإعلام كأداة لتصفية الحسابات أو وسيلة لخدمة أجندات شخصية.
لقد سئم الناس من هذه الفوضى التي يراها القاصي والداني، فلا تظنوا أنها طي الكتمان.