أخر الأخبار

امل ابو القاسم تكتب : الرباعية بين التهدئة والانحياز

أثار البيان المشترك الذي أصدرته الرباعية (مصر، السعودية، الإمارات، الولايات المتحدة الأمريكية) حول السودان أمس جدلاً واسعاً في الشارع السوداني، إذ رأى فيه كثيرون محاولة لفرض وصاية خارجية على خيارات الشعب، في وقت تتواصل فيه معاناة المدنيين بفعل اعتداءات مليشيا الدعم السريع.

ورغم أن الخارجية المصرية أوضحت في بيان منفصل أن مشاركة القاهرة جاءت انطلاقاً من موقف ثابت داعم لوحدة السودان وسلامة أراضيه، وحرصاً على استعادة الاستقرار بما يحفظ مؤسساته الوطنية، إلا أن كثيراً من المراقبين لم يغفلوا التناقضات التي حملها البيان نفسه.

اقول ذلك مع ضرورة تثمين أدوار مصر والمملكة العربية السعودية عالياً، فهما ظلتا سنداً حقيقياً للسودان طيلة فترة الحرب وحتى الآن، وحرصتا على وحدة السودان وسلامة مؤسساته، لذلك جاء استنكار مشاركتهما في هكذا البيان وهما الأدرى بالاحوال.

بعض فقرات البيان بدت معقولة، سيما ما يلي الدعوة إلى هدنة إنسانية، ووقف تدفق السلاح الذي يفاقم الأزمة ويطيل أمد الحرب. هذه الجوانب تنسجم مع مطالب الشعب السوداني الراغب في الأمن والاستقرار.

غير أن وجود الإمارات كطرف في الرباعية يثير الاستغراب، إذ تنطبق عليها المقولة (رمتني بدائها وانسلت). فهي أحد أبرز الداعمين للمليشيا المتمردة بالسلاح والعتاد، وتتحمل مسؤولية مباشرة في إطالة أمد الحرب وإذكاء نارها. كما أن تجاهل الرباعية لانتهاكات المليشيا منذ اندلاع الحرب، بما فيها قصف المرافق الخدمية والمساعدات الإنسانية، يزيد من الفجوة بين مضمون البيان وواقع الحال على الأرض. وقد تم تنوير البعثات الدبلوماسية بذلك مرارا.

ومن المآخذ أيضاً أن البيان اكتفى بالحديث عن “مشاركة الإسلاميين”، متجاهلاً قوى الحرية والتغيير (بكل مسمياتها ) التي وقفت عملياً في صف المليشيا المتمردة، بل وصلت حد تشكيل حكومة موازية معها. هذا التحيز يطرح تساؤلات جدية حول مدى موضوعية البيان، إذ يركز على طرف سياسي بعينه ويغض الطرف عن طرف آخر فاعل في المشهد.

أما الأخطر، فهو مساواة البيان بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع بوصفهما “أطرافاً متصارعة”، في تجاهل فادح لحقيقة أن الجيش يقاتل دفاعاً عن السيادة والكرامة، ويزود الروح رخيصة في سبيل حماية إنسان السودان وأرضه، بينما تمارس المليشيا أبشع الانتهاكات.

في نهاية المطاف، يمكن القول إن البيان يمثل محاولة دولية قد تُشكر من حيث الشكل، لكنه يظل غير ملزم، ويحمل الكثير من التناقضات والانحيازات التي تقلل من فرص قبوله محلياً. وما لم يتم التعامل مع الحقائق على الأرض بمسؤولية وموضوعية، ستظل مثل هذه المبادرات قاصرة عن تلبية تطلعات الشعب السوداني في الأمن والسلام والسيادة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر + 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى