أخر الأخبار

سارة الطيب تكتب…. هل يعصون رب البيت أمام بيته؟

الحمد لله الذي أكرمنا ببلوغ هذه الشعيرة العظيمة، وشرّفنا بأن نكون من ضيوفه في بيته الحرام، حيث لا يشبه الزمان زمانًا، ولا يشبه المكان مكانًا.

في صعيد عرفات، ومشعر منى، ومبيت مزدلفة، وبين أمواج الحشود المؤمنة، كانت القلوب خفيفة متجردة، لا تطلب من الدنيا شيئًا. رأيت من جاءوا لا لراحة ولا لطعام ولا شراب، بل قدموا خالصين لوجه الله، يسعون إلى مغفرته، ورضوانه، والاقتراب من رحمته، متجردين من الدنيا إلا من دمعة عند الملتزم، وتكبير بين الطائفين، وركعة في ظل البيت العتيق.

ما كانوا سياحًا، بل عبادًا. ما طلبوا متعة، بل مغفرة. إنهم الحجيج الذين جاؤوا بقلوب معلّقة، وأرواح تهفو إلى ربها.

وفي خضم هذا المشهد الإيماني العجيب، راقبت بألم الحملة الإعلامية التي شُنت على حج هذا العام، وتابعت سيل الاتهامات والتجريم التي اجتاحت مواقع التواصل، حتى باتت أسرنا تتصل بنا بقلق، مما تراه من صور ومقاطع ومزاعم تُشبّه ما نعيشه بما عانوه من حروب ونزوح وتشريد. ونحن هنا، في أطهر بقاع الأرض، نؤدي الركن الخامس من أركان الإسلام.

قال لي كثيرون: “يا ليتنا كنا معكم، لا نريد طعامًا ولا شرابًا، يكفينا أن نكون مع الراحلين إلى منى، فبلّغوهم عنّا التحايا والسلام.”

لكنني تساءلت، والشك يراودني:
هل حقًا عصوا رب البيت أمام بيته؟
هل يُتهم من سهر الليالي في خدمة الحجيج بالإهمال والفساد؟
هل تُسحق الجهود الخالصة تحت أقدام الشكوك لمجرد أن بعضهم قرر أن يروي بلا تمحيص ولا إنصاف؟

أنا، كحاجة سودانية، أكتب شهادتي كما عشتها، لا كما رُويت على الألسنة.
رأيت شبابًا يسهرون من أجل راحتنا، خيامًا نظيفة، تنظيمًا منضبطًا، وماءً باردًا في عز الحرّ. وجبات تصل في وقتها، وإرشاد لا يغيب. لم نشعر بالوحدة، بل كنا في قلوبهم قبل عيونهم.

وأشهد أمام الله، أن بعثة الحج السودانية لهذا العام أدّت واجبها على أكمل وجه. رأيت بعيني لا بسمعي، جهدًا مباركًا منذ لحظة الوصول. حجاج سبق لهم الحج قالوا: “ما رأيناه هذا العام يفوق توقعاتنا”، وأكدوا أن مستوى التنظيم في المشاعر وفي مكة والمدينة قد بلغ ذروته.

ما كان الحاج يُترك لحظة دون رعاية. أمراء الأفواج لا يعرفون النوم، يتابعون، يتفقدون، يطمئنون، ويركضون لتنظيم المواعيد وخدمة الحجيج، وكأنهم يحملونهم في أعناقهم أمانة.

فهل هذا هو الفساد الذي يُتحدث عنه؟

نعم، لا يوجد عمل بشري خالٍ من الخطأ، لكن من الظلم أن تُطلق الأحكام الجائرة على من بذل وسعه – وربما فوق طاقته – في موسم معقّد، مليء بالتحديات الأمنية والتنظيمية والاقتصادية.

من الطبيعي أن يقع التقصير هنا أو هناك، لكن من غير المنصف أن يتحول هذا الهامش الطبيعي إلى ذريعة للهجوم والتشويه.

نحن لم نرَ تقصيرًا بل رأينا إخلاصًا، لم نرَ فوضى بل رأينا نظامًا، لم نرَ إهمالًا بل لمسنا اهتمامًا.

إن الحملة التي استهدفت بعثة الحج السودانية لم تكن منصفة، بل بدت وكأن وراءها أجندات لا علاقة لها بالحجيج ولا بخدمتهم، بل تسعى لهدم كل جميل، وتستخدم مشاعر الناس لتحقيق أهداف سياسية لا تخدم الدين ولا الحجيج.

لذا أقولها بصدق:
لقد خدمونا بوجه الله، أكرمونا وكأننا أهلهم، وسهروا علينا كأننا أمانة في أعناقهم. فهل يُكافأ هذا بالاتهام؟ وهل يُتهم من خدم الحجيج في بيت الله بالخيانة؟

الحج ليس ترفًا… بل مشقةٌ نتقرب بها إلى الله، فرفقًا بمن بذلوا الجهد، ورفقًا بمن جاءوا متجردين، لا يطلبون إلا وجه الله.

أدعو كل صاحب قلم أو منبر أو منصة:
تحرّوا قبل أن ترووا، واسألوا قبل أن تُدينوا.
فالحقيقة لا تُكتب من خلف الشاشات، بل تُعاش على الأرض.
ونحن عشناها، وخرجنا منها لا بشكوى… بل بدعاء لمن خدمونا، وبالشكر لمن جعلونا نشعر بالأمان، في حضرة بيت الله.

فهل يُعقل أن يعصي أحدٌ رب البيت، أمام بيته؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى