
لا عجب أن تتطوع واشنطن باتهام الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيميائية ضد المليشيات اتهام بلا صورة بلا ضحية بلا تحقيق وبلا حتى مسرح جريمة! مجرد “قنبلة صوتية” سياسية هدفها إنقاذ الوكلاء
و الأكثر فداحة هو صمت واشنطن الصارخ تجاه أكبر وأخطر عملية تسليح ودعم للمليشيات تجري على مرأى العالم من قبل حليفتها المفضلة الإمارات
الجيش السوداني الذي يخوض حربًا وجودية في وجه مليشيا مدعومة بأحدث العتاد، لم يجد نفسه مضطرًا حتى للدفاع أمام هذا الاتهام العبثي فالمزاعم الأمريكية لم تأتِ بجثة واحدة يُقال إنها ماتت اختناقًا، ولا عيّنة تربة ملوّثة، ولا شهادة ناجٍ، ولا حتى معلومة عن “أين ومتى” وقعت الجريمة المزعومة
والأغرب؟ أن المليشيا نفسها الطرف المفترض أنه “ضحية” السلاح الكيميائي لم توجه هذا الاتهام! فهل أصبحت واشنطن تتحدث بالنيابة عنهم؟ أم أنها اختارت لحظة انهيارهم في الميدان لتمنحهم نفخة حياة إعلامية؟
وفي الطرف الآخر من المعادلة، يقف في وضح النهار دعمٌ عسكري ضخم موثق بالصورة والتاريخ والشحنات والتحقيقات الصحفية الدولية والمذكرات الدبلوماسية السرية الدعم الذي تقدمه الإمارات للمليشيا لم يعد بحاجة إلى “تحقيق” بل إلى عدالة غائبة
تحقيقات نيويورك تايمز كشفت بالأقمار الصناعية قاعدة إماراتية مكتملة الأركان في “أم جرس” التشادية تنطلق منها طائرات هجومية شوهدت فوق مدينة الفاشر التي تُحاصر حتى الموت صور الأقمار أظهرت مستشفى إماراتيًا مزيّفًا يخفي مستودع ذخيرة ومحطة تحكّم للطائرات المسيّرة
بل إن شحنات “المساعدات الإنسانية” التي وصلت عبر طائرات الشحن الإماراتية لم تكن سوى غطاء لأسلحة راجمات صواريخ و مدافع و منظومات دفاع جوي
في 2024 كتب السفير الأوروبي في السودان في برقية مسربة
“الإمارات سلّحت المليشيا لتدمير تفوق الجيش السوداني”
وقالها جيريمي كونينديك خبير الإغاثة الأمريكي
“يتصرفون كمجرمين ويُكافَؤون ملائكة”
فهل عجزت أمريكا عن قراءة تلك الوثائق؟ هل تعطّلت أقمارها الصناعية فجأة عن التقاط الطائرات الإماراتية وهي تمطر الموت فوق المدن السودانية ؟ أم أن الدولارات الإماراتية أثقل من الحقيقة وأغلى من دم الأبرياء؟ في ود النوره و دارفور وصالحه الهلاليه
من يراجع التوقيت يدرك اللعبة بوضوح كلما حقق الجيش السوداني نصرٍ خرجت واشنطن بورقة اتهام جديدة لتوازن الكفة فمرة الحديث عن “مجاعة” ومرة عن “جرائم حرب” والآن “الكيماوي”
لكن من يصدّق أكاذيب لم تقنع حتى صُنّاعها؟ من يؤمن باتهام بلا أدلة ويبرّئ جريمة مغطاة بالأقمار الصناعية إلا إذا كان شريكًا في الجريمة؟
السودان ليس بحاجة لإثبات براءته بل العالم هو من يحتاج لإثبات حياده وعلى واشنطن إثبات إدعائها
فمن أراد علاقة مع السودان فليأتِ من باب الاحترام لا الوصاية والاتهام والتخويف
أما شراكات الإملاء فمكانها مزبلة التاريخ جنبًا إلى جنب مع الكيماوي العراقي المزعوم وأكاذيب “الضربات ” في أفغانستان
فنحن لسنا أمام سياسة.. بل أمام صفقة و أمام سمسار دولي باع بوصلته الأخلاقية
لكن السودان لن يُركع
فمن لم يُهزم بالرصاص لن يُهزم بالافتراء
ومن صمد في الميدان لا تهزه التصريحات أو تربكه الإشاعات لقد تمرّس عليها وحفظ ملامحها
فليسمعها العالم
الجيش لا يُهزم.. والسودان لا يُبتز.. والسيادة لا تُنتزع