أخر الأخبار

بروفيسور طه عابدين طه يكتب : الوطن ينزف… وعقولٌ تائهة في أوهام السلطة!

رسالة وعي (31)

لم يُرفع السيف بعد، ولم تخمد نيران الحرب،
والمعركة لا تزال حامية الوطيس، ترمي بشررها في كل اتجاه…
ومع هذا، رأينا من تسابقوا إلى اقتسام الكراسي قبل أوانها،
يتزاحمون على فتات المناصب، ويتراشقون بالألسنة في مشهدٍ مخزٍ
لا يُراعي دماءً نزفت، ولا أرواحًا أُزهقت، ولا وطنًا يتمزق شريانه كل يوم.

في الأيام التي أعقبت تحرير الجزيرة والخرطوم وما عداها،
ولاحت إشارات النصر،
طفحت على السطح مشاهد لم تَشِ إلا بجشعٍ قديم،
وعطشٍ للسلطة لم تُطفئه دماء الشهداء، ولا أنين الثكالى.

رأينا أولئك الذين هرعوا إلى بورتسودان،
لا بحثًا عن حل، بل من أجل لُعاعة من الدنيا؛
كأن لم تسكن فيهم المروءة، وكأن لم تُعلّمهم هذه الحرب
أن الشعب قد لفظ صغار العقول ومراهقي السياسة!

ألم يتعلموا من تجارب الأمس؟
ألم تكفهم دروس الفشل المتكرّر،
حين تحوّلت السلطة إلى محاصصات حزبية ومناطقية وجهوية،
فنُصِّب في المواقع الحساسة من لا علم له ولا خُبر؟
وكانت النتيجة:
فسادٌ يعمّ
خدمات تنهار
ودولة تُسحق بالجهل والطمع!

فيا هؤلاء…
أين هو السودان الذي تتنازعون على حكمه اليوم؟

شعبٌ مشرَّد
مؤسسات منهوبة
خدمات معدومة
أرامل وأيتام
فقراء مكسورون
ووطن ينزف بلا إسعاف… فبأي وجه تطلبون الحكم؟!

ارحموا هذا الشعب الذي عانى منكم الويلات،
وافسحوا الطريق لغيركم؛
فلعلّنا نرى وجوهًا جديدة لم تتلطخ بعد بأوحال السياسة الفاسدة،
ولا حرصت على كرسي، بل تحمل همّ الوطن لا طمع الجيوب.

إنّ المرحلة القادمة لا تحتمل المجاملة…

لا بد من تولية الأمور لأهلها:
من يجمعون بين:
العلم والقوة
الأمانة والصدق
الزهد والنزاهة
لا من جمعوا بين الجهل والغرور، والفساد والولاء الأعمى.

وإنّ الرجال الذين دفعوا الثمن بأرواحهم ودمائهم ليبقى السودان حيًّا،
هم أحقّ الناس بإدارة دفة المرحلة القادمة،
لا أولئك الذين لم يرَ الوطن منهم إلا التخاذل وقت الحاجة،
والصراع على السلطة في ساعة البناء.

إنّ السودان، برغم جراحه، غنيٌّ بالكفاءات الصادقة؛
رجالٌ ونساءٌ نذروا أنفسهم للوطن،
لكن أساليب الاختيار العرجاء التي سادت في الماضي قد أقصتهم،
وحجبتهم خلف جدران الولاءات والمحاصصات،
فحُرم الوطن من خيرهم، وتأخّر ببعدهم قطار النهضة.

فلنراجع أخطاء الأمس…
لنعالج العوج قبل أن يستفحل،
وإلا عدنا كما كنا:
كمن خرج من حفرة مظلمة، ليقع في أخرى أعمق منها وأشد ظلمة.

فلْيكن همُّنا الأول:
إعادة بناء الدولة على أساس من:
الكفاءة
العدل
النزاهة
لا التنازع على كراسي الحكم؛
فمن لم يتعلم من مآسي الماضي،
سيعيد إنتاج الخراب…
ولكن هذه المرة بثمنٍ أكبر!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى