**
الصادق محمد احمد
تزايدت الحاجة المُلحّة في السودان، خاصة بعد الحرب إلى إنشاء جهاز متخصص لضبط الوجود الأجنبي ومكافحة الهجرة غير الشرعية ، فقد كشفت الحرب التي مرت بها البلاد عن حجم الخطر الحقيقي الذي يشكله المهاجرون غير الشرعيين، بعد أن ثبت انخراط أعداد كبيرة منهم في القتال إلى جانب مليشيات الدعم السريع المتمردة، وهو ما ساهم بشكل مباشر في تأجيج الحرب وزعزعة أمن السودانيين واستقرارهم. لقد أدى الوجود الأجنبي غير المنظم إلى خلق بيئة خصبة للتجنيد غير المشروع، وانتشار الجريمة المنظمة، وتعميق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، مما يستدعي معالجة حاسمة لهذا الملف قبل أن يتفاقم أكثر.
إن إنشاء جهاز وطني متخصص يتبع لوزارة الداخلية ويكون معنياً بتنظيم الوجود الأجنبي في البلاد ومكافحة الهجرة غير الشرعية بات ضرورة استراتيجية لضمان الأمن القومي. الجهاز الجديد يجب أن يتمتع بصلاحيات واسعة تخوله ممارسة مهام الضبط والإحضار والتحقيق مع المخالفين، مع تكوين قوة أمنية مدربة تتبع له، ويكون عمله منسقاً مع الأجهزة النظامية الأخرى، وعلى رأسها القوات المسلحة وجهاز الأمن والمخابرات والشرطة. يتطلب تأسيس هذا الجهاز صياغة وإجازة قانون خاص به يحدد بدقة اختصاصاته وآليات عمله ويمنحه الغطاء القانوني الكامل للقيام بمهامه بفعالية ، حيث إن وجود إطار قانوني واضح سيمنع التضارب مع مهام الأجهزة الأخرى ويعزز التكامل والتنسيق في حماية أمن البلاد و الحدود ومراقبة حركة الأجانب داخل السودان.
لإنشاء هذا الجهاز فوائد عظيمة للسودان في مختلف الجوانب، فعلى الصعيد الأمني سيسهم ضبط الهجرة غير الشرعية في إحكام السيطرة على الحدود ومنع تسلل العناصر المعادية والشبكات الإجرامية، مما يدعم جهود إعادة الاستقرار الداخلي بعد سنوات الحرب ، وعلى الصعيد الاجتماعي سيؤدي تنظيم الوجود الأجنبي إلى تخفيف الضغوط على الخدمات الأساسية وتقليل المنافسة غير العادلة بين المهاجرين والسكان المحليين في سوق العمل، مما سوف يسهم في تهدئة التوترات الاجتماعية. أما اقتصادياً، فإن السيطرة على سوق العمل ستعود بالنفع على الاقتصاد الوطني من خلال حماية فرص العمل للمواطنين وتحقيق دخل إضافي عبر تنظيم إقامات الأجانب وفرض رسوم قانونية عليها.
على المستوى السياسي والدبلوماسي، فإن إنشاء مثل هذا الجهاز يعزز صورة السودان أمام المجتمع الدولي بوصفه دولة تحترم القوانين الدولية لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتكافح الاتجار بالبشر والجريمة المنظمة، كما ان الجهاز سيكون نقطة اتصال مهمه مع الجهات الدولية ذات العلاقة.
إن وجود جهاز متخصص في ضبط الوجود الأجنبي سيعزز من سيادة السودان على أراضيه، حيث ستكون الدولة قادرة على معرفة وإدارة الوجود الأجنبي بشكل دقيق ومنظم، مما يحول دون أي محاولات للتدخل الأجنبي تحت ستار اللجوء أو الهجرة، كما ان الجهاز سيُسهِم بشكل كبير في الحفاظ على الهوية الوطنية السودانية من أي تغييرات ديموغرافية غير مدروسة قد تهدد النسيج الاجتماعي والثقافي للبلاد.
يتطلب تأسيس هذا الجهاز العمل بخطوات مدروسة تبدأ بصياغة مشروع القانون وإجازته، ثم إنشاء إدارة مركزية مزودة بكفاءات بشرية متخصصة، مع توزيع مكاتب للجهاز في مختلف الولايات، خاصة الحدودية منها ،كما ينبغي تجهيز البنية التحتية اللازمة من أنظمة معلوماتية متطورة لرصد وتتبع حركة الأجانب، والتأكد من الربط الإلكتروني مع الجهات النظامية المعنية، ويجب أن يتم تدريب القوة الأمنية الخاصة بالجهاز تدريباً عالياً في مجال حقوق الإنسان وأساليب التعامل مع قضايا الهجرة لضمان أداء المهام بكفاءة وحرفية عالية.
إن إنشاء جهاز لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتنظيم الوجود الأجنبي هو استثمار طويل الأمد في استقرار السودان السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، لن تكتمل جهود بناء الدولة السودانية الحديثة إلا بمعالجة هذا الملف الحساس، بما يضمن بسط هيبة الدولة وسيادة القانون، وفتح الطريق نحو مستقبل أكثر أمناً واستقراراً ورخاء لجميع السودانيين.