
لاشك أن إسترجاع المدن في دارفور يبقى في أعلى الأجندة لكن استرجاع المواطنين المرتبكين هنالك فيما يسميه الناس حواضن المليشيا يبقى أولوية يجب عدم إغفالها،
و هم عندما يتحدثون عن الحواضن إنما يقصدون بالقول العشائر والقبائل التى أمدت المليشيا بالعناصر البشرية المحلية بخلاف المرتزقة ،
وهم يشيرون في الجملة الى القبائل والعشائر القبلية في جنوب دارفور، وبعض عشائر شمال دارفور..
وممن يعمل على ترسيخ هذا المعنى مجموعة العنصريين التقسيمين المعلومة المشبوهة التى تعكر ماء الود لتصطاد….
ولا شك عندي أن الأمر قد يشتبه على الناس دون تفصيله وتفكيكه، فهل تمثل هذه المجموعات القبلية حواضن للمليشيا؟ وهو سؤال لابد من الإقتراب منه بحرص وحذر.
ولا شك عندي أنه من حيث واقع الحال فإن غالب المجلوبين للقتال إلى جانب المليشيا بخلاف المرتزقة هم من هذه المجموعات القبلية،
ولست أتعجب من ذلك فإن الخطاب القبلي له قوة وجاذبية للجهلاء وأنصاف المتعلمين والطامعين ممن يتسمون بالنخبة المتعلمة،
وتزيد جاذبية الخطاب القبلي في ظروف الإرتباك والخطر ويمكن لمثل هذا الخطاب معززا بإغراءات متعددة ان يوفر دعما غير قليل للمليشيا خاصة في ظروف صعوبة المعيشة وجشوبتها ،
وأغراق المجموعات الشبابية العاطلة بالوهم المصنوع، وبالأمل الكاذب من جهة ، وبحبوب الكبتاجون والآيس من جهة أخرى.
كذلك فإن نجاح المليشيا في شراء وكلاء الأنفار المعروفين بنظار العشائر وعمدها وشراتيها أمثال ناظر الرزيقات المهرية وناظر المسيرية ونظار وعمد قبائل أخرى
معروفين ومعلومين فهولاء الوكلاء أعانوا ترويج خطة بيع الوهم الكبير للجمع الغفير من الناس وتحولوا الى سماسرة أنفار لجلب الشباب الغافل للمحرقة ،
لكن تبقى الحقيقة أن الغالبية الأكبر كان دورها هو إستسلام سلبي لهذا الواقع المزري وهولاء ربما لم ينخدعوا ولم يوالوا حقيقة المليشيا ولكنهم كانوا تحت واقع سيطرتها شبه الكاملة على أقاليمهم حتى قبل الحرب
.وقد تعود الناس في هذا الجزء من العالم على التعايش السلبي مع كل أصناف حكم الأمر الواقع على مر الحقب والأيام.
بيد أن أسطورة الدعم التي تتهاوى الآن وتتهاوى معها الأوهام التي سوقتها المليشيا وأزلامها وأربابها،تستوجب منا نظرا جديد لتقييم المواقف والمواضع والمواجع..
ولئن كنا نرفض أن نفقد شبرا واحدا للعملاء ولأربابهم هناك في دارفور فنحن يجب أن لا نخسر مواطنا واحدا يمكننا إستعادته من حالة الوهم أو العجز السلبي الذي جعله محسوبا على المليشيا.
فيجب أولا ان نمحو مصطلح حواضن المليشيا لأنه حكم بالجملة ولايجوز الحكم بالجملة في الإدانة والتجريم.
ثانيا لأننا نعلم أنه مع تضعضع المليشيا فإن حالة الاستسلام السلبي لحكمها لن تستمر وأما أولئك المتهومين فقد شهدنا صحوة كثير منهم حتى ذهب بعضهم ليصف قائد المليشيا بالطابور…
قد ذهبت السكرة وجاءت الفكرة وعلينا المضي قدما في إسترجاع أهلنا ومواطنينا من ربقة الاستسلام للمليشيا التى أهلكتهم هلاكا ستبقى أثاره على تلكم العشائر لعقود من الزمان.
ولا أعني بقول هذا أن نمضي الى مسامحة أكابر المجرمين وأولئك النهابين والمغتصبين فإن التهاون في محاسبة هولاء وصفة لإعادة المغامرة وقد تعلمنا من ديننا أن الإقتصاص من المجرم حياة للأبرياء.
لكن المشار إليهم للإسترجاع هم عامة المستغفلين والمستضعفين فهم أهلنا ومواطنينا، وما ينبغي أن نأخذ البريء بجريرة المجرم حتى وإن كان من الصامتين العاجزين أو حتى المخدوعين الذي لم تتلوث أياديهم بدماء الأبرياء.
لابد لنا أن ندرك أننا نحارب لصيانة الوطن والوطن هو الأرض وهو المواطن لذلك هلموا لكي نستعيد أهلنا هناك فكل أجزائه لنا وطن وكل أهله لنا أهل…ولتخرس الأصوات العنصرية.