
▪️شهدت السنوات الأخيرة تحولات كبرى في شرق ووسط أفريقيا، حيث تصاعدت التدخلات الخارجية، وكان للإمارات دور محوري في تعقيد المشهد، لا سيما في جنوب السودان. وبينما يمضي السودان نحو التعافي عسكريًا وسياسيًا، تجد الإمارات نفسها عالقة في مستنقع الأوضاع المتدهورة بجنوب السودان، وسط تزايد الضغوط الدولية على سياساتها في الإقليم.
* *الإمارات ، تُعقد من أزمة جنوب السودان..*
▪️منذ استقلال جنوب السودان عام 2011، ظل رهين لصراعات داخلية متجددة، غذّتها التدخلات الخارجية والمصالح المتضاربة. وفي هذا السياق، برز الدور الإماراتي كعامل رئيسي في تأجيج الصراع، سواء عبر دعم الفصائل المسلحة أو من خلال الاستثمار غير المتوازن في الموارد النفطية، مما زاد من تفاقم الانقسامات الداخلية وأضعف فرص التوصل إلى تسوية سياسية مستدامة.
▪️لطالما إعتمدت الإمارات على نهج التدخل عبر الوكلاء، وهو ما جعلها متورطة في دعم جماعات متصارعة داخل جنوب السودان، سواء عبر التسليح غير المباشر أو من خلال النفوذ الاقتصادي الذي يعمّق الانقسامات. إلا أن هذا الدور لم يعد يمر دون تداعيات، حيث بدأت القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في ممارسة ضغوط متزايدة على أبوظبي، متهمة إياها بلعب دور سلبي يزعزع الاستقرار في المنطقة.
* *توريط موسفيني.. إعادة إنتاج سيناريو تشاد في جنوب السودان*
▪️لم تكتفِ الإمارات بتعقيد المشهد الداخلي في جنوب السودان، بل سعت إلى استنساخ استراتيجيتها في السودان عبر توريط حلفائها الأفارقة، وعلى رأسهم الرئيس الأوغندي يوري موسفيني، تمامًا كما فعلت مع رئيس تشاد محمد إدريس ديبي كاكا. هذه السياسة القائمة على إغراء القادة الأفارقة بالتدخل في أزمات الجوار، جعلت من موسفيني لاعبًا مباشرًا في صراع جنوب السودان، وهو ما قد يدفع المنطقة نحو مزيد من الفوضى.
▪️لطالما كانت أوغندا مؤثرًا رئيسيًا في جنوب السودان، نظرًا للروابط الجغرافية والتاريخية بين البلدين، إلى جانب المصالح الأمنية والاقتصادية التي تسعى كمبالا إلى تأمينها، لا سيما في المناطق الحدودية المتنازع عليها. هذه المناطق شهدت اشتباكات متكررة بين الجيش الأوغندي وقوات جنوب السودان، ما جعل التدخل الأوغندي في الشأن الجنوبي مسألة وقت. هنا، وجدت الإمارات في موسفيني شريكًا مثاليًا لتحقيق أجنداتها، عبر دفعه إلى التدخل المباشر، سواء من خلال دعم مجموعات مسلحة أو التأثير على ترتيبات السلطة في جوبا.
* *التدخل الأوغندي.. حماية لمصالح كمبالا أم انحياز سياسي؟*
▪️يثير التدخل العسكري الأوغندي في جنوب السودان تساؤلات حول أهدافه الحقيقية. فرغم أن أوغندا كانت من أبرز داعمي حكومة سلفا كير خلال الحرب الأهلية، إلا أن إعلانها الصريح عن دعم كير واعتبار أي تحرك ضده “إعلان حرب” قد يفاقم الانقسامات الداخلية في جنوب السودان، بدلاً من حلها.
▪️كما أن هذا التدخل لا ينفصل عن النزاع الحدودي المستمر بين البلدين، خاصة في المناطق الواقعة بين مقاطعة “كاجو كيجي” في جنوب السودان ومنطقة “مويو” الأوغندية. فمنذ انفصال جنوب السودان، ظل ترسيم الحدود قضية عالقة، ما أدى إلى نزاعات متكررة بين المجتمعات الحدودية، بلغت ذروتها في صراع دموي عام 2014 أسفر عن مقتل 20 شخصًا وحرق أكثر من 200 كوخ. وعلى الرغم من توقيع مذكرة تفاهم عام 2015 لاحتواء هذه الأزمة، فإن التقدم في ترسيم الحدود ظل محدودًا، ما أبقى التوتر قائمًا، وجعل التدخل الأوغندي يبدو كخطوة استباقية لحماية مصالح كمبالا الأمنية والاقتصادية.
▪️ومع تفاقم الأزمة، تزداد احتمالات اندلاع نزاع مفتوح بين جوبا وكمبالا، حيث قد تجد أوغندا نفسها في مواجهة مباشرة مع فصائل جنوبية تعتبر وجودها العسكري انحيازًا فاضحًا لطرف دون الآخر. هذا المشهد قد يدفع المعارضة الجنوبية إلى البحث عن داعمين إقليميين ودوليين لموازنة النفوذ الأوغندي، مما ينذر بجر المنطقة إلى دوامة جديدة من الصراع.
*_خلاصة القول ومنتهاه_*
▪️ يبدو أن جنوب السودان يقترب من مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، مع تزايد احتمالات اندلاع حرب أهلية، خاصة في ظل التدخلات الخارجية، وعلى رأسها التدخلان “الإماراتي والأوغندي”، اللذان لا ينفصلان عن النزاعات الحدودية التاريخية. هذه العوامل مجتمعة تجعل المنطقة برمتها على حافة أزمة متعددة الأبعاد، لا تهدد فقط وحدة جنوب السودان، بل قد تمتد لتشمل صراعًا إقليميًا أوسع بين جوبا وكمبالا.
▪️ ورغم أن هذه التوترات تشكل تهديدًا مباشرًا للسودان، فإن ما يميز موقف السودان هو تحركه في مسار التعافي، بينما تغرق الإمارات أكثر فأكثر في مستنقع جنوب السودان الاستوائي. لقد أدى التدخل الإماراتي في أزمات أفريقيا إلى خلق أزمات جديدة بدلاً من حلها، مما وضع أبوظبي في مواجهة متزايدة مع الضغوط الدولية، وأضعف قدرتها على المناورة السياسية في القارة.
▪️ ومع خروج موسى فكي من المشهد، تتراجع قدرة الإمارات على استخدام الاتحاد الأفريقي كغطاء سياسي لمشاريعها في الإقليم، وهو ما قد يجعل خياراتها محدودة بين تعديل سياستها والتراجع عن دعم الفوضى، أو مواجهة عزلة متزايدة إقليميًا ودوليًا.