الكاتب الأثيوبي برهاني تاكلو نقا يكتب : اعتراض قوي على قرار كينيا باستضافة حكومة سودانية في المنفى

بقلم:
*برهاني تاكلو-نقا*

أشعر بضرورة التعبير عن قلقي العميق واعتراضي الشديد على قرار كينيا الأخير بالسماح للمعارضة السودانية بتشكيل حكومة في المنفى على أراضيها. هذا القرار له تداعيات خطيرة، حيث يشكل سابقة خطيرة في العلاقات الدولية والشؤون الإنسانية. إن سماح كينيا لفصيل سياسي بتشكيل حكومة منفية يعمّق حالة الانقسام في السودان، الذي يعاني بالفعل من صراع أهلي مدمر.
قد يؤدي هذا القرار إلى زيادة الاستقطاب بين المجموعات السودانية المختلفة، مما يعرقل جهود المصالحة وبناء السلام. علاوة على ذلك، فإنه يفاقم معاناة المواطنين السودانيين الأبرياء الذين يجدون أنفسهم عالقين في نيران العنف المستمر. السودان يواجه أزمة إنسانية خطيرة، حيث يحتاج الملايين إلى المساعدة، وهذا القرار قد يزيد منع تفاقم أوضاعهم، مما يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار والمعاناة. يتوجب على الدول المجاورة أن تتصرف بحكمة، واضعةً مصلحة الشعب السوداني فوق أي اعتبارات سياسية.
إن قرار كينيا مخزٍ ومقلق للغاية، حيث يقوّض المبادئ الأساسية للسيادة الوطنية وعدم التدخل المنصوص عليها في القانون الدولي، ولا سيما المادة (2) الفقرة (4) من ميثاق الأمم المتحدة، التي تحظر التهديد أو استخدام القوة ضد سلامة أراضي أي دولة أو استقلالها السياسي، وكذلك المادة (4) من القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، التي تؤكد على حرمة الحدود واحترام سيادة الدول. من خلال تسهيل تشكيل حكومة موازية في المنفى، تنتهك كينيا هذه المبادئ، مما يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة وفتح الباب أمام التدخلات الخارجية في الشؤون الأفريقية.

سوابق تاريخية لحكومات المنفى الفاشلة

أثبت التاريخ مرارًا وتكرارًا أن الحكومات في المنفى، حتى عند حصولها على دعم دولي قوي، نادرًا ما تنجح في حل النزاعات الداخلية. مثال على ذلك هو الحكومة الفنزويلية في المنفى بقيادة المعارضة. على الرغم من الدعم الدبلوماسي القوي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لم يتمكن خوان غوايدو من فرض سيطرة فعلية على البلاد. وبدلاً من ذلك، أدى ذلك إلى إطالة أمد عدم الاستقرار، وتفاقم الأزمة الإنسانية، وتعميق الانقسامات الداخلية، وفي النهاية فشل في الإطاحة بالحكومة الفعلية في كاراكاس.
السودان معرض لخطر السير في نفس المسار الفاشل إذا ما شرّعت كينيا لحكومة في المنفى بدلًا من تشجيع حوار وطني شامل. وبالمثل، أدت محاولات إنشاء حكومات منفى في كل من ليبيا وسوريا وأفغانستان إلى استمرار النزاعات، وزيادة عدم الاستقرار الإقليمي، وتمكين الجماعات المسلحة والمرتزقة والتنظيمات الإرهابية التي تستغل ضعف الحكم. في ليبيا، أدى وجود حكومات متنافسة إلى اندلاع سنوات من الحرب الأهلية، مما أدى إلى تفاقم المعاناة الإنسانية واستغلال الموارد الطبيعية من قبل جهات خارجية. السودان، بثرواته الطبيعية الهائلة، قد يواجه المصير ذاته، حيث يصبح ساحة لاستغلال المرتزقة وتجار السلاح والمستفيدين من الحروب.

دور كينيا في السلام الإقليمي والوساطة

لطالما لعبت كينيا دورًا محوريًا في التوسط في النزاعات عبر أفريقيا، بما في ذلك دورها الإيجابي في الحرب الأهلية الإثيوبية بين الحكومة الفيدرالية وقوات دفاع تيغراي (TDF). بدلاً من اتخاذ مواقف منحازة أو شرعنة الانقسامات، قامت كينيا بتسهيل الحوار وساعدت في الحفاظ على وحدة إثيوبيا. وينبغي اتباع نهج مماثل في السودان. إن دعم كينيا لحكومة في المنفى سيؤجج صراعًا غير ضروري لن يؤدي إلى السلام، بل سيعزز الجماعات المسلحة، ويطيل معاناة المدنيين السودانيين، ويضعف قدرة أفريقيا على حل أزماتها.
علاوة على ذلك، فإن المستفيدين الوحيدين من هذه الحكومة في المنفى هم الدول والجماعات التي تغذي الحرب. سوف تستغل الجماعات المتطرفة وتجار الحرب هذا الانقسام السياسي لتعزيز نفوذها، واستغلال موارد السودان، وتجنيد المقاتلين، مما يؤدي إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة.

دور الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة

يجب على الاتحاد الأفريقي (AU) ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (UNSC) اتخاذ موقف حاسم ضد الاعتراف بحكومة سودانية في المنفى. من الضروري حماية سيادة السودان ومنع هذا العمل الطائش من أن يصبح سابقة خطيرة في أفريقيا. لدى الاتحاد الأفريقي تفويض واضح برفض أي تدخل خارجي يهدد وحدة القارة، وصمته أو عدم تحركه بشأن هذه القضية سيشجع على مزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة.
وبالمثل، يجب أن يوضح مجلس الأمن أن أي دولة تعترف بهذه الحكومة المنفية ستواجه عواقب دبلوماسية واقتصادية. ينبغي فرض عقوبات على الدول التي تنتهك وحدة أراضي السودان بدعم إدارة غير شرعية، لأن ذلك لن يؤدي فقط إلى تصعيد النزاع داخل السودان، بل سيضعف أيضًا مصداقية القانون الدولي.

دعوة إلى القيادة المسؤولة

أحث كينيا بشدة على إعادة النظر في موقفها والالتزام بمبادئ الوحدة الأفريقية وحل النزاعات سلميًا. يجب أن يتم تحديد مستقبل السودان من خلال عملية سلام شاملة وحقيقية، وليس من خلال الاعتراف المتهور بحكومة غير شرعية في المنفى، مما سيؤدي إلى تفاقم الأزمة. بدلاً من خلق سوابق خطيرة ستؤثر على أفريقيا لعقود قادمة، ينبغي على كينيا أن تيسر مفاوضات السلام، وتضمن بقاء السودان دولة موحدة وذات سيادة.
إن قرار كينيا في هذه المسألة لن يؤثر فقط على السودان، بل سيخلق تداعيات أوسع تهدد استقرار القارة بأكملها. يجب أن يكون التركيز على الحفاظ على وحدة المنطقة، وضمان حقوق ورفاهية الشعب السوداني، بدلاً من خدمة أجندات خارجية.

نداء أخير

السودان الموحد، الخالي من النزاع، ضروري من أجل تعافي الأمة التي دمرتها سنوات العنف. الحرب الوحشية في السودان شردت أكثر من 15 مليون شخص، وقتلت أكثر من 50,000، وجرحت أكثر من 150,000، مما ترك آثارًا جسدية ونفسية لا تُمحى. أكثر من 3 ملايين طفل حُرموا من التعليم منذ عام 2023، مما يحرمهم من مستقبلهم ويقضي على إنجازات تنمية رأس المال البشري في السودان.
ألا تعني هذه المأساة شيئًا للقادة السياسيين؟ الأجيال تضيع بسبب الصراعات، والنساء يتعرضن للعنف، والمجتمع ينهار، بينما تتغذى المصالح السياسية على دماء الأبرياء.

______
لقد عشت حياتي كلها في السودان، رغم أن أصولي إثيوبية، وأعتبر نفسي سودانيًا في القلب والروح. لا يمكنني أن أبقى صامتًا بينما يعاني إخوتي وأخواتي السودانيون. إن أزمة السودان مسؤولية قادته الذين فشلوا في تجاوز انقساماتهم. يمكن تحقيق السلام والاستقرار إذا كان القادة مستعدين للتضحية من أجل مصلحة الشعب، والعمل على المصالحة، ووضع حد لنزيف الأمة.
الوقت ينفد، وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة، فسيكون الثمن باهظًا. أي إرث سيتركه قادة السودان؟ هل سيتذكرهم التاريخ كمن دمروا أمتهم، أم كمن وحدوها من أجل مستقبل أفضل؟ الخيار بأيديهم، لكن العواقب سيتحملها الملايين من الأبرياء الذين يستحقون ما هو أفضل.

*برهاني تاكلو-نقا*
*كلية الحقوق بجامعة هارفارد، جامعة بوسطن، وجامعة تافتس/كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية.*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى