
* في زخم الأحداث السياسية و الثقافية التي نعيشها، يبقى للصحفي عثمان ميرغني أسلوبه الخاص في معالجة القضايا، حيث يتسم بالجرأة والانتقاد المباشر. لكن في بعض الأحيان، يتجاوز هذا الانتقاد حدود الموضوعية، كما ظهر في تعليقاته الأخيرة التي تعكس تباينًا بين مواقفه المحلية والميل الواضح إلى معايير خارجية. في مقاله الأخير، جاء حديث عثمان ليثير العديد من التساؤلات حول مفهوم “الآخر” وكيفية تعاطيه مع الثقافة السودانية والتراث المحلي.
*_حديث المدينة: بين الواقع والمثال_*
* في مقالته الأخيرة، استخدم عثمان ميرغني ما أسماه “حديث العواصم” ليوضح كيف أن السياسة السودانية تتأثر بتوجهات القوى الكبرى في العالم، مع ميله الواضح إلى محاكاة هذه القوى والبحث عن نماذجها. فهو لا يتردد في التطرق إلى تجارب دول مثل واشنطن وجنيف باعتبارها مثلاً يُحتذى به في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية. لكن هذه النظرة، وإن كانت تستند إلى منظور عالمي، تبتعد عن فهم الواقع السوداني وأبعاده الثقافية والدينية. فحديث المدينة المنورة، على سبيل المثال، يمثل بُعدًا دينيًا وروحيًا يشكّل جزءًا من هويتنا، وهو ما يتجاهله عثمان في كثير من الأحيان، مما يضعه في موقف بعيد عن قبول التنوع الثقافي المحلي.
*_حديث المدينة المنورة: رؤية دينية في مواجهة العقلية النقدية_*
* عثمان ميرغني، في انتقاداته للتلاوة السودانية للقرآن الكريم، تجاوز بقوة الحدود المقبولة، حيث حاول التقليل من شأن تلاوة القرآن على الطريقة السودانية، مستخدمًا ما وصفه بـ “الدوبيت” واتهامه بأنها لا تلتزم بقواعد التجويد. هذا الانتقاد لم يكن في محله، فقد تجاهل الموروث الثقافي العميق الذي نما في السودان، وقلل من احترام ملايين السودانيين الذين يعتبرون هذه الطريقة جزءًا من هويتهم الثقافية والدينية. لكن قبل أن نناقش مقاله، يجب أن نتذكر أن القرآن الكريم يتجاوز حدود الأجناس والأساليب، وأن التلاوة الصادقة التي تأتي من قلب صادق هي التي تُقبل. فما قدمه عثمان من نقد يعكس تحيزًا للمواقف الخارجية في مقابل عدم تقدير للتنوع المحلي، كما لو أن كل ما هو محلي يجب أن يكون مشكوكًا فيه.
*_حديث المدائن: كيف يرى عثمان العالم_ ؟*
* إن المعالجة الثقافية والسياسية التي يعرضها عثمان في مقالاته تميل دائمًا إلى الانفتاح على معايير خارجية، خاصة تلك التي تحددها عواصم العالم الكبرى. لكن هذا الموقف لا يخلو من التحديات، خصوصًا عندما تتناقض هذه المعايير مع الواقع المحلي. فنظرته إلى التلاوة السودانية، مثلًا، تتجاوز حدود النقد الموضوعي، وتظهر إصرارًا على فرض نموذج مغاير للهوية السودانية، دون تقدير لمزايا هذا النموذج المحلي الذي نُحسن به تلاوة القرآن. وعندما يتعلق الأمر بالسياسة، يظهر الميل أيضًا إلى معايير أخرى بعيدًا عن مفهوم السيادة الوطنية والرؤية الاستراتيجية التي يجب أن تحكم تعاملنا مع القوى العالمية.
*خلاصــة القـول ومنتهــاه: ضرورة التـوازن والـواقعية*
* في النهاية، لا يمكننا إلا أن نؤكد على أهمية الوعي بالموروث الثقافي والديني والتاريخي الذي شكل هويتنا السودانية. فكما أن هناك ضرورة لتطوير العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، ينبغي ألا يكون ذلك على حساب هويتنا الوطنية وعاداتنا وتقاليدنا التي رسختها أجيالنا عبر التاريخ. ومن المهم أن نضع في اعتبارنا أن التغيير والتطور لا ينبغي أن يأتي على حساب الأصالة.
* ويبقى أن نتذكر أن هناك شيئًا يمكن أن يتعلمه كل منا من الآخر، لكن من دون أن نفقد ارتباطنا بجذورنا. إن التوازن بين “حديث المدينة” و”حديث المدينة المنورة” و”حديث المدائن” يمكن أن يكون هو السبيل للمضي قدمًا نحو مستقبل أفضل، بينما نحافظ على جوهرنا الثقافي والديني.
*_عاش السودان… وعاش تراثه الأصيل_*