خبر وتحليل: عمار العركي – بيان وزارة الخارجية: بين التعافي السياسي وتحديات المرحلة

* كدلالة على بداية التعافي السياسي، جاء بيان وزارة الخارجية السودانية ليضع إطارًا سياسيًا وعمليًا لخارطة الطريق نحو مرحلة ما بعد الحرب، مستندًا إلى أسس تعكس ثوابت السياسة الوطنية التي لطالما شكلت أهدافًا استراتيجية منذ التغيير الذي شهده السودان. غير أن هذه الأهداف، التي يفترض أن تكون محل إجماع وطني، تعرضت لمحاولات سابقة لإعادة توظيفها بما يخدم أجندات خارجية، مما أدى إلى أزمة سياسية معقدة انتهت إلى الحرب الراهنة.
*المصفوفة الوطنية والاستقطاب السياسي*
* منذ التغيير السياسي، برزت رؤية وطنية شاملة تهدف إلى تحقيق الاستقرار السياسي، إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وضمان الانتقال الديمقراطي على أسس تضمن وحدة البلاد وسيادتها. إلا أن هذه الرؤية تعرضت لمحاولات متكررة لفرض تصورات خارجية عليها، مما أدى إلى حالة من الاستقطاب السياسي الحاد، أضعفت فرص تحقيق استقرار حقيقي.
*_التدخلات الخارجية وتأزيم المشهد_*
* التدويل الممنهج كان أحد العوامل التي ساهمت في تعقيد الأزمة، حيث أصبحت بعض القرارات المصيرية مرهونة بإرادات دولية بدلًا من الإرادة الوطنية. ومع تصاعد الفشل السياسي، كان الانتقال إلى سيناريو المواجهة العسكرية خطوة متوقعة، إذ لجأت بعض الأطراف إلى التصعيد العسكري بعد فشلها في فرض رؤيتها عبر الأطر السياسية.
*دلالات وأبعاد بيان وزارة الخارجية*
* البيان الصادر عن وزارة الخارجية يعكس تحولًا واضحًا نحو استعادة القرار السياسي إلى الداخل، مؤكدًا أن الحلول يجب أن تأتي من مشاورات سودانية خالصة، بعيدًا عن أي تدخلات. كما يؤكد التزام الدولة بالمسار الديمقراطي عبر انتخابات حرة ونزيهة، وهو ما يتناقض مع محاولات بعض القوى السابقة لتأجيل الانتخابات أو التحكم في مخرجاتها.
* إعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية كان أيضًا أحد المحاور البارزة، حيث شدد البيان على ضرورة التعامل بحزم مع التدخلات الخارجية التي أضرت بالاستقرار الداخلي، موجّهًا رسالة واضحة بأن السودان لن يكون ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الدولية.
*_خارطة الطريق: بين النقد والتأويلات السياسية_*
* كما هو متوقع، قوبلت خارطة الطريق التي أعلنتها وزارة الخارجية بانتقادات من بعض الجهات، وهو أمر مفهوم في إطار التنافس السياسي. غير أن بعض الانتقادات استندت إلى افتراضات غير مدعومة بأدلة قاطعة، مثل الادعاء بأن الخارطة جاءت استجابة لضغوط خارجية، في حين أن استعراض المسار السياسي يوضح أن الحكومة الحالية هي نفسها التي خاضت مواجهة سياسية وأمنية ضد محاولات فرض رؤى خارجية.
* إن أي محاولة لتصوير البيان على أنه انعكاس لتأثيرات خارجية تتناقض مع الواقع، فلو كان كذلك، لما شهدنا المقاومة العنيفة السابقة التي حاولت فرض مسارات مغايرة عبر أدوات مختلفة، انتهت بدعم بعض الأطراف الخارجية لخيار الحرب بعد فشل خياراتها السياسية.

*_خلاصة القول ومنتهاه_*

* لقد شكلت بعض الأطراف المحلية واجهة لمشاريع إقليمية ودولية سعت إلى إبقاء السودان في حالة عدم استقرار دائم. غير أن انهيار هذه الرهانات أدى إلى مواجهة مباشرة مع الجهات التي كانت تقف خلفها. والواقع أن بيان وزارة الخارجية يعكس رغبة حقيقية في استعادة القرار الوطني، وتأكيد أن أي حلول مستقبلية يجب أن تكون نابعة من الإرادة السودانية وحدها، بعيدًا عن أي مساومات تتعلق بمصير البلاد وحقوق شعبها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى