يعتبر الرئيس الامريكي دونالد ترامب اكثر الرؤساء الامريكيين اثارة للجدل قبل وبعد انتخابه في فترته الأولى وكذلك الثانية، ففي فترته الأولى قام بالكثير من الإجراءات غير المسبوقة ولكنه خسر انتخابات التجديد لفترة ثانية حين فاز عليه الجمهوريون بقيادة جو بايدن وبفارق ضئيل جدا، فسعى للعودة إلى الحكم بكل السبل ورفض حتى التسليم السلس للرئاسة وحرض انصاره على اقتحام البيت الأبيض وقد حوكموا بالسجن ومضوا بضع سنوات فيه حتى أطلق سراحهم عند فوزه بفترته الثانية الحالية غير المتصلة وحوربت رغبته في العودة للحكم بكل الوسائل ومن بينها المحاكم التي بلغت عدد تسعين اتهاماً في أربع قضايا كبرى.
كثر الجدل حول ترامب في فترته الأولى فهو رئيس استثنائي يتحلى بالكثير من الصفات المتصلة بالفضائل إذ يقول ترامب إنهُ لم يشرب الكحول أبدًا، ولم يدخن السجائر، ولم يتعاطى المُخدرات ولعل هذا يعكس التزاما دينياً صارماً، فالتعاليم المسيحية تمنع أيضاً مخالطة الزاني والسكير والملحد، ولعل التزامه هذا لا يوجد حتى عند الكثير من السياسيين المسلمين، وقد جرت مراسم تنصيبه في أول الأمر داخل كنيسة سانت جون في واشنطن وحمل ذلك العديد من الدلالات الدينية ومن بينها قوله انه لا يعرف سوى رجل او امرأة ولا يعرف فئة ثالثة تلك التصريحات جعلت الكثير من الأمريكيين يحسون بالعودة الى الفطرة السليمة بعد أن اصبحت مسألة الانحلال الأخلاقي مفروضة على المجتمع، بل حتى على اطفال المدارس في مسعى لايجاد مسخ مشوه من الأجيال تحت دعاوى الحريات الشخصية حيث أقسم ترامب كما في القسم في الشريعة الاسلامية برفع يده اليمنى على نسخة من الكتاب المقدس ورثها من والدته،وذلك خلال تنصيبه لمنصب الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة.
وحتى لا يقول البعض ان هذا تجاوزاً للاعراف الامريكية أو تقليداً جديداً فقد بدأ العمل رسمياً بتقليد حضور رجال الدين في مراسم تنصيب الرئيس الأمريكي، منذ حفل تنصيب الرئيس فرانكلين روزفلت في عام 1933، عندما تمت دعوة أول رجل دين لإلقاء صلاة خلال المراسم.
وقبل ذلك، لم يكن هناك التزام واضح بدعوة رجال الدين إلى المراسم، لكن الرؤساء كانوا يلتزمون بأداء القسم على الكتاب المقدس، وهو تقليد بدأه الرئيس جورج واشنطن ولكن ترامب هنا زاد الجرعة بدعوة اربعة رجال يمثلون الديانات وهي الاسلام والمسيحية واليهودية
ويبدو ان النفوذ اليهودي داخل بيت ترامب قد تزايد فابنته ايفانكا متزوجة من مستشاره اليهودي جاريد كوشنير وهناك أقوال عن أن ايفانكا نفسها قد تحولت إلى اليهودية .
كان أول من خاطب الحفل من رجال الدين الحاخام بيرمان رئيس جامعة يشيفا وهي جامعة يهودية مقرها نيويورك، ويلاحظ أنه ركز في كلمته أثناء الحفل على تطبيق اتفاق الهدنة بين حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية في قطاع غزة وسلطات الاحتلال الاسرائيلي وقد شهد ذلك اليوم عودة ثلاث رهينات إسرائيليات كنّ محتجزات لدى حركة حماس.
وقد أشاد بيرمان، الذي ارتدى قبعة يهودية وشريطاً أصفراً لإظهار دعمه للرهائن، بترامب في مساعدته على التوصل إلى ذلك الاتفاق الذي سوف يتمخض عن اطلاق سراح العديد من الأسرى الاسرائليين في مرحلته الاولى. ولم ينس بيرمان الذي لم يتحدث علناً عن دعم ترامب خلال الانتخابات القول إنه يتطلع أن يجلب الرئيس الأمريكي الجديد السلام بين إسرائيل ومزيد من الدول العربية في الشرق الأوسط خلال ولايته الثانية.
فخلال ولاية ترامب الأولى، وقعت اتفاقات “أبراهام” التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية وهي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، ورغم الدلالات الدينية لهذه الاتفاقيات حتى من اسمها لكنها لم تجد انتقاداً ابداً من دعاة العلمانية في العالم الاسلامي طالما صدرت من سيد عالم اليوم امريكا.
ومع تمتع ذلك اليهودي بحضور حفل التنصيب فإن فرصة العالم الاسلامي شيعته وسنته قد ضيعت فعلى الرغم من ورود اسمه في قائمة المدعوين وكان مخططاً أن يلقي كلمة خلال مراسم التنصيب، تم تغييب الإمام الشيعي هشام الحسيني، وهو مدير مركز كربلاء للتعليم الإسلامي في مدينة ديربورن في ولاية ميشغان، عن حفل تنصيب ترامب.
ولم يوضح البيت الأبيض سبب غيابه إلاّ إن ناشطين على منصة “إكس” (تويتر سابقاً) قالوا إن إلغاء حضور الحسيني بسبب رفضه وصف حزب الله اللبناني منظمة إرهابية في عام 2007 وقد استمعت شخصياً الى ذات الاسباب في برنامج تلفزيوني على قناة الحرة الأمريكية الناطقة باللغة العربية، مما يدل على ان حرب اسرائيل مع قطاع غزة ولبنان وايران قد القت بظلالها على تلك الدعوة،وقد ذكرت مصادر أخرى أن مستشاري ترامب نصحوه بالغاء دعوة هشام الحسيني لأنه يمثل الشيعة في غياب أي تمثيل للمسلمين السنة.
المدعو الآخر من الديانة المسيحية كان القس لورينزو سويل من كنيسة 180 ديترويت، وقد كان هذا أحد الركائز الأساسية في حملة ترامب الانتخابية خلال عام 2024م.إذ تحدث سويل، في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في يوليو 2024م، وحضر العديد من الاجتماعات خلال الحملة مع زعماء الأديان وتجمعات مسيحية محافظة مؤيدة لترامب.وبحسب تصريحات سويل، فإن ترامب طلب شخصياً من هذا القس في مناسبة سابقة أن يكون حاضراً خلال حفل التنصيب فتم له ذلك.
ولا يتردد سويل الذي يبدي التزاماً بعقيدة مسيحية محافظة، في تناول السياسة ضمن خدمته الدينية، إذ يعتبر أن رسالة الإنجيل هي رسالة سياسية، والكتاب المقدس هو كتاب سياسي وهذا أيضا تطورا مهما عند الغرب بصفة عامة منذ قضية الصراع بين الكنيسة والدولة والذي سوف نتطرق اليه في المقال القادم باذن الله.