على تمام الوطن – اميمة عبد الله – فتيانٌ إذا جاؤوا قامت لهم الدنيا

على مر التاريخ كان للمحاربين الأقوياء والقادة الميدانيين الإستثنائيين ورجال الدولة المشهورين وصانعي الأحداث، الكثير من القصص والشواهد ليتحدثوا بها أو يكتبوا عنها، حروباً صنعوها أو أطفؤها أو كانوا جزءا منها، عباراتهم الخالدة، أفعالهم البطولية والتي ظلت محفورة في ذاكرة شعوبهم.
تلك العبارات الملهمة التي قالها القادة والجنود على السواء وأرواحهم معلقةٌ بين الأرض والسماء ربما لم يكونوا على دراية بأنها ستُخلد ويبقى صداها يتردد من بعدهم، عبارات ملهمة ومدعاة للفخر.
وللموتِ عزة وشرف في ساحات المعارك والدفاع عن الوطن، رجال ليسوا مثلهم، جنودا في الجيوش ومواطنين في بلادهم شرفهم من شرفها.
لا يستطيع تقدم الصفوف في الحروب إلا المؤمنين المتيقنين بقيمة حربهم وبلادهم، الشجعان الذين ملأت قلوبهم وأفئدتهم قيم العدل في الأرض والحرية في بلادهم والحق في الحياة الكريمة والمساواة بين الناس.
“لا أعرف ما هو التأثير الذي سيخلفه هؤلاء الرجال على العدو، ولكن، والله، فإنهم يرعبونني” هذه العبارة قالها الدوق آرثر في العام 1852م،
هذه العبارة من ديننا، نصر الله رسوله في حروبه بالرعب مسيرة شهر، الله – جل وعلا – يلقي في قلوب أعدائه الرعب وهم بعيدين مسافة شهر، ياله من نصر!
وكل ما ذكرت سابقا رأيناه الآن في حربنا ضد المليشيات، في حرب السوادن، التي سيسجلها التاريخ كأعظم حرب خاضتها البلاد في العصر الحديث، الكثير من الحكايات الإنسانية والعبارات الباقية وتضحيات الجنود الأوفياء وعزيمتهم وإرادتهم التي تشبه جبل أحد رسوخا ويقيناً، ومن نعى للآخرين شقيقه وعمه وبعد ساعات نعاه الناعي هو ذاته عائلة تواريث الجهاد في بلادنا، وهي الحكاية التي كتبت من أجلها هذا المقال.
لم تقم في العصر الحديث حربٌ هدفها تدمير المجتمع وتشريده وحلّحلة منظومته المتوارثة المتماسكة والقضاء على الدولة ومنشأتها والعصف بالقيم الأخلاقية الوطنية ودكها في وحلهم الآسن القبيح، وجعل البلاد ترضخ لحكم المليشيات والعصابات والمرتزقة بالسلاح المأجور كما حدث في حرب السودان، نزلت كالصاعقة وتسلسلت كقطع الليل الأسود شهر مظلم يعقبه شهر أشد ظلمةً وفتكاً إلى ان أكملت الشهور العشرين عددا.
في الشهور العشرين قُتل وحُرق وأُسر المئات ومات قهراً الرجال وهُتك ستر النساء وأصاب الأطفال الفزع المخيف وشاب الشعر الأسود وتفرقت الأسر بين البقاع، وشاعت الحكايات المرعبة عن قتل الجنجويد للشباب بغرض التسلية وفعلت المليشيات بالناس الأفاعيل من سحلٍ وإذلالٍ ونهب وقطع طريق ورؤوس.
لم يقاتل الجيش السوداني جيشا غازيا، ولا جماعة إرهابية منظمة بل قاتل أفواجاً من الشياطين المرتزقة وأسراباً من الجراد لها أجنحةً من نار قادمين من لا مكان ولا بلد، لا يعرفون الضمير الإنساني ولا أحكام السماء، رفقتهم قدامى محاربين مآجورين من بلاد بعيدة وأخرى قريبة وعملاء خائنيين لبلادهم وباحثيين عن المال الحرام والإستثمار في الأرواح والغنى من النهب والسرقة ومجرمي السجون العتاة.

وسط كل ذلك الدخان الأسود الذي عم فضاء السودان وأرتفع ظهر
قَومٌ إِذا لَبِسوا الدُروعَ حَسِبتَها
سُحُباً مزرَّرَة عَلى الأَقمارِ

أخرجوا سيوفهم من أغمادها حتى لتحسبها من بريقها سُنت على حافة الشمس، أرسوا على ضفة الصحراء سفينتهم وبهجة الحياة وشرعوا صدورهم للموت، وكان قوام القوم مع القوات السودانية المسلحة قواتُ أخرى مساندة، القوات المشتركة من مقاتلي حركة العدل والمساواة والحركات الأخرى والمستنفرين المجاهدين الشباب والشيوخ والعلماء وأساتذة الجامعات والمقاومة الشعبية.
رجالاً أحراراً تركوا سجال الماضي ومغالطاته وأجتمعوا لحماية البلاد على أختلافهم.
لم تتأخر القوات المشتركة التي قاتلت حكومة السودان السابقة من أجل قضية إقليمها وحقه في الحياة الكريمة، قاتلت جنبا إلى جنب مع القوات المسلحة وكأنهم حليفتها منذ عهدٍ بعيد، قاتلت وهي تعلم يقيناً أن الزمان ليس الزمان وأن السودان الآن على شفا حفرة من هلاك، كانت في خوضها لمعركة البلاد تدفع بمقاتليها دون هوادة لأنه لاخيار إلا النصر للبلاد، “من المميت الدخول في حرب دون الرغبة في الفوز بها.”
ليس لحماية إقليم بالتحديد بل كان قتالهم الشرس لإسترداد كرامة عموم السودان من غزو الجنجويد، ما قدمته حركة العدل والمساواة سيذكره لها التاريخ خالدا ليس لأنها قدمت مقاتلين لم يترددوا لحظة في تقدم الصفوف ومواجهة نيران الحرب من أجل السودان، بل لأنها قدمت ضمن صفوفها رجالاً ينتمون جميعهم إلى أسرة واحدة، الإبن والآخر والأب والعم ومن قبلهما كان الجد الشهيد الحاضر شاهداً على التاريخ، سلسلة متصلة كالعقد المنتظم لؤلؤاً شديد البياض فداءً لوحدة الأراضي السودانية ولكلٍ زمانٍ في بلادنا رجال وفي كل عهد أسماءٌ خالدة وعائلاتٌ توارثت الشرف والشجاعة.
القبر الذي ثبت ورسم حدود السودان في عهد الإستعمار الفرنسي لدولة تشاد ومازال إلى الآن شاهدا، قاتل السلطان عبد الرحمن افرتي القوات الفرنسية رافضا تبعية مناطقهم لمستعمرتهم، قاتلهم إنتصارا لسودانيتهم، وكان ثمن الإنتصار استشهاده و أبنائه وأصهاره، لكن حق سودانيته غلب عليهم وبقى قبره معلماً وشاهدا على ذلك الإنتصار على الحدود السودانية التشادية إلى الآن، حمل أحفاد الشيخ عبر الرحمن راية الدفاع من بعده في بلادٍ حظها من النكبات وافر، يقاتلون في دروب النضال بصورٍ مختلفة على مر الأجيال، عائلة المرحوم مصطفى شرف الدين عبد الرحمن، حفيده الذي واصل أحفاده هو أيضا درب جدهم، إستشهد حفيده في معارك الكرامة من اجل إستعادة شرف الدولة السودانية ضد الجنجويد المرتزقة، الشهيد الفارس المقاتل الحق محمد عبد الرحمن مصطفى شرف الدين احد مقاتلي حركة العدل والمساواة ظل أسداً يجوب محور الصحراء إلى أن أستشهد في منطقة بالقرب من المالحة، نقل شقيقة عبدالمنعم مصطفى المقاتل في ذات المحور خبر إستشهاده ناعيا أخاه الأصغر إلى رئيس الحركة و إلى عمه العميد بحر الدين شرف الدين الذي يرابط في ولاية النيل الأبيض سدا منيعا من دخول المليشيات المجرمة إلى الولاية وإلى عمه الثاني في ذات المعركة يحارب وإلى عمه الثالث دكتور محمد علي شرف الدين الأمين المُقال من ديوان الضرائب الذي يرابط في مكانٍ آخر من المعركة، عائلة بعضها من بعض في كل جيلٍ منها لها شهداء.
إنه الشرف الباقي و الحكايات التي سيذكرها التاريخ والبلاد التي فدى وحدتها المئات من الجنود الشهداء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى