بُعْدٌ …و …مسَافة – مصطفى أبوالعزائم – الوزِيرُ الصَّامِت .. (!)*

دائماً في أيِّ حُكُومَةٍ ، هناك وزير ما تتمثّل فيه صورة حامِل مفاتيح خِزَانةِ أسْرارِ العمل التنفّيذي العام ، وأسرار الأدَاء الحُكُومِي ، دائماً مثل هذا الوزير يكون هو الأقرب للتحكّم في القرار الحكومي بالترتيب والتنسيق مع رئيس الوزراء في النظام البرلماني ، والأقرب لرئيس الدولة في النظام الرئاسي ، وقليلاً ما يكون مِثل هذا الوزير قريباً من الأضواء والإعلام الرسمي أو الخاص ، مثلما كان وضع الدكتور بهاء الدين أحمد إدريس – رحمه الله – في العهد المايوي ، إذ كان الأقرب للرئيس الرّاحل نميري – رحمه الله – بل كان الأكثر إمسَاكاً بالملفات الأكبر والأخطر ، لذلك كان يواجه حرُوباً خفيّة تستهدِفه وموقعه في ذات الوقت ، وكذلك كان هناك في عهد النّظام السّابِق رِجَالٌ يُعدّون من الدائرة الضيّقة الصانعة للقرار أو المؤثرة فيه ، لكن وجود أكثر من شخْصٍ في الدوائر الضيّقة كثيراً ما يفتح أبواب الصِّرَاعَات المكتومة بين المتنافسين على الإقتراب من مركز إتخاذ القرار الأول خاصة في النّظام الرئاسي ، وهو ما قد يُضْعِف الدّولَة وربّما يؤدي إلى نهاية النّظام الحاكِم خاصةً إذا كان شمُوليّاً قابضاً .
في عهود الحُكْم الثوري هناك أشخاص يعتبرهم البعض أنهم الأقوى من حيث الأثر والتأثير ، وكذلك هناك من أمثال أولئك الأشخاص قيادات خفيّة أو متوارية في عهود الحُكْم الديمقراطي .
الشخصية الأقوى الآن في الحكومة الإنتقالية ، هي الأقل ظهوراً في الإعلام لكنها الأكثر معرفةً بدوائر الحُكْم وملفاته وإنجازات الوزراء وإخفاقاتهم ، والأكثر معْرفةً بمستويات تنفيذ السّياسَات العامة ، نجاحَاً وإخفاقاً ، ونقصد السّيِّد السّفِير عًمَر بشير مانيس وزير وزارة شؤون مجلس الوزراء ، الذي إحتار كثِيرٌ أهل الصّحَافَة والإعلام في طريقة التّعَامُل معه ، فعلى الرغم من إبتسامته الهادئة ولغته الدبلوماسية ، وسهولة التعامل معه ، إلا أنه حريصٌ إلى أبعد حدود الحرص ، ورغم علاقتنا الطيّبة معه إلا أنه حارسٌ أمين على ما وراء أسوار وزارة مجلس الوزراء ، على إعتبار أن هذه الوزارة أم الوزارات ، والدينمو المحرّك لحركة حكومة الثورة .
من خلال مصادرنا الخاصة داخل هذه الوزارة ، كُنّا نبحث عن أسباب الظهور المتباعد والمتقطِّع إلا في حالات نادرة ، مثل مقابلة بعض الوفود الأجنبية ، أو اللقاءات الصحفيّة الراتبة بصفته المُتحدِّث الرسمي للجنة العليا للطوارئ الإقتصادية ، أو ظهوره النادر عبر لجنة إزالة التمكين ، على إعتبار أنه مقرراً لها ، أو ظهوره إلى جانب رئيس الوزراء في بعض المناسبات الإجتماعية والخاصة .
بالبحث والتقصِّي حول أداء الوزير الصامت ، العازف عن الظهور ، وحول مؤشرات أداء وزارته ، ومن خلال عمل هذه الوزارة المفتاحية التي تختلف عن بقية الوزارات الأخرى ذات التخصص المُحدّد في مجال أو قطاع مُعيّن ، وجدنا أن هذه الوزارة الآن باتت المُنظِّم لبقية أعمال الوزارات الأخرى مثلما كانت على أيام وزيرها الأسبق في عهد الإنقاذ الأستاذ كمال عبداللطيف ، وهي الوزارة التي تضطلع بمهمة التنسيق بين الوزارات ، وتحويل التوصيات إلى قرارات ، بما في ذلك التعيينات والإعفاءات في الوزارات العشرين ، وهو ما يترتب عليه أحمال ثقيلة ، تجعل ساعات عمل الوزير والمقربين له له أكثر من ثمانية عشر ساعة ، حتى في أيام الجُمَع والعطلات ، فالمهمة الشّاقة كان يقوم بها أربعة وزراء ، وزير أول وثلاثة وزراء دولة ، غير الإشراف وتنظيم أعمال مجلس الوزراء ،والإشراف على إحدى وعشرين وحدة وهيئة تتبع للمجلس مثل جهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج والإدارة العامة للعقارات الحكومية ، والمجلس الطبي ، والجهاز المركزي للإحصاء والهلال الأحمر ، وغيرها .
أجرى الوزير الصامت إصلاحات أو قل تغييرات عديدة في تلك الوحدات ، وتابعنا من خلال مصادرنا الخاصة داخل مجلس الوزراء ما يقوم به السّفِير الوزير مانيس الذي يعمل في صمت شديد نائياً عن الأضواء وقد وجدنا أمامنا أكثر من مائتين وثلاثين قراراً رئاسياً ووزارياً تحولت إلى قرارات تنفيذية، مع عقده لأربعمائة وثمانين إجتماعاً خاصاً بأعمال وزارته في الفترة من سبتمبر من العام الماضي وحتى يوم الناس هذا ، غير ترتيب إجتماعات المجلس ، وبقية الأعمال الأخرى واهتماماته الشخصية بالعمل الإنساني وقربه من منظمة أسر الشهداء ورعايته لفئات المعاقين والمكفوفين .
و .. المساحة لا تكفي .. شكراً الوزير الصَّامِت .. شكراً مانيس .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى