ضل التاية – بروفيسور ابراهيم محمد آدم – تخلصوا من رواسب الماضي يصلح لكم المستقبل(2-3)

لقد تفاقمت مشكلاتنا اليوم بعد حرب الخامس عشر من ابريل والتي ذاق فيها الشعب السوداني صنوفاً من العذاب لم يشهدها التاريخ الإنساني من قبل، فصار مصير البلد في مهب الريح، ولكن هذه المرحلة من مأساة الوطن هي عبارة عن تراكمات تاريخية يجب تناولها بالتحليل أولا لدراسة حاضرنا المأزوم قبل التفكير في استشراف المستقبل بإذن الله.
في المقال السابق قلنا أن بوابة التاريخ هي المدخل لكل مشاكل السودان، فعندما نقول اننا سنعيدها سيرتها الأولى فاننا ندخل أنفسنا في مغالطات لا جدوى لها وهل كانت سيرتنا الأولى إلا سلسلة من الكيد والتنكيل بالبعض والاستعانة بالاجنبي كما اليوم، ذلك لأن الاستعمار البريطاني الذي شكل الحياة السياسية السودانية وفق هواه ورؤاه تلقى دعوة رسمية من العديد من زعماء القبائل والزعامات الدينية الناغمة على تصرفات دولة الخليفة التي حاول الرعيل الاول من زعماء ما بعد الاستقلال تجميل صورتها في المناهج المدرسية للحفاظ على ممسكات الوحدة الوطنية فدخولها في العديد من الصراعات مع الكثير من القبائل جعل السودان ارضا خصبة للتدخل وهنا استعير ما قاله داعية الحقوق المدنية الامريكي الافريقي مارتن لوثر كينق ( لا يمكن لأحد أن يمتطي ظهرك ما لم يجده محنياً).
وإذا أردنا مداواة الجراح لا بد لنا من تبيان الحقائق وعدم التغطية على تاريخنا الدموي وثأراتنا القبلية القديمة ومن محاولات تصوير العلاقات بين الجماعات السياسية وكأنها كانت سمناً على عسل وأن الحرب الحالية وما قبلها أمر طارئ وان الاستعانة بالاجنبي بما في ذلك العدو الإسرائيلي ما هي إلا حالة مستحدثة، وأن علينا أن نعيد البلاد سيرتها الأولى ، وهل كانت سيرتها الأولى كما يقول البروفيسور بدر الدين حامد الهاشمي في كتابه( السودان بعيون غربية) – الا حروباً ودماء، علينا قبل نسيان الماضي أن نعترف به وأن نشرح أسباب مشكلاته وواجبنا أن ندرك أن غالب مشاكلنا الحالية ضاربة الجذور في تاريخنا المسكوت عنه، والأهم والاصوب لنا هو أخذ الدروس والعبر منها من أجل أن يبرأ الجرح وهو نظيف كما ينبغي، بدلاً عن خياطتة وهو على صديد.
كان الذين ساعدوا الإستعمار في الدخول هم من تولى كبر ما حل بالبلاد من تغييرات سالبة لذلك لم استغرب عبارة عبقري الرواية العربية الطيب صالح ( ارازل الناس هم الذين تولوا المناصب أيام الانجليز ) ورغم أن تلك العبارة قاسية وصادمة ومعممة لكن فيها الكثير من الحقائق للأسف ونحن هنا لسنا بصدد البناء عليها فقد استغلها البعض لنكأ جراحات الماضي واشعال الحاضر بالحروب فقضوا على القليل المتاح بدعاوى العدالة ومحاربة التهميش وليتهم تركوا تلك المناطق المسماة مهمشة في وصفها وحالها ذاك فهم قد قضوا تماماً على ما كان موجود من مشروعات وخدمات واحالوا الناس إلى معسكرات النزوح واللجوء ، ذلك لأن مشروعهم للحل كان على طريقة البصيرة أم حمد إذ لم يستفد منهم حمد بل استفاد منهم الغرب الذي يعتبرونه أساس التحضر والرقي وكل ما دون ذلك تخلف وكأن سفرهم المقدس هو كتاب فرنسيس فوكوياما الملكي أكثر من الملك ( نهاية التاريخ وخاتم البشر)، وفي ذلك المنزلق فانت إن لم تسر أو تقول بما يشتهون وفق هواهم فأنت غير متحضر، ولعل هذا ما كان شائعا أيام بعض أولئك الذين عملوا مع الانجليز فحتى الذي يصلي فهو ذو صلة بالماضي وتخليه عن الصلاة تحضر، حتى غشيت المدارس والجامعات غاشية من التدين أعادت البعض الى الفطرة الأولى فتصالح مع ذاته اولاً ومع مجتمعه ثانياً، ولكن الأمر لا يزال بعيداً عن التعمق ففي مادة الثقافة الاسلامية التي تدرسها بعض الجامعات بعد أن الغتها الكثير من تلك المؤسسات عقب سقوط الانقاذ في اطار برنامج تغيير المناهج تنفيذاً لاجندات التغريب وهو أحد أمرين كانت تسعى الدول الأوربية لتحقيقهما في السودان بعد اسقاط الانقاذ وهما تغيير المناهج ومحاربة الهجرة غير الشرعية وقد تحقق لها ذلك الى حد بعيد كما يعلم كثيرون، وفي ذلك المثال تجد طلاب الجامعات للأسف لا يفرقون بين الأحاديث النبوية والآيات القرآنية بل بعضهم يؤلف ما يدعي انه آيات قرآنية دون أن يطرف له جفن.يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى