أخر الأخبار

لم تتناولها مناظرة سباق الرئاسة الأمريكية بين كمالا رايس وترامب،، الأزمة السودانية .. غياب عن الأجندة الأمريكية

..

هل ذهبت اجتهادات بلينكن وبيريللو أدراج الرياح؟..

ضعف الحراك الدولي بشأن الحرب السودانية وراء غيابها في السباق الانتخابي..

مخاوف من الترويج للميليشيا في الرأي العام الأمريكي..

السفير يوسف: موقف أمريكا من ما يجري في السودان غامض جداً..

السفير نادر: غياب الأزمة السودانية في الانتخابات الامريكية لا يعني موتها في الأجندة الدولية..

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..

موجة عنيفة من الاستياء، ضربت ملامح الشارع السوداني، عقب انتهاء المناظرة الأمريكية المهمة بين مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة كمالا هاريس، ومنافسها مرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، اللذين يتسابقان على مضمار رئاسة أعظم وأكبر دولة في العالم، ويرجع استياء الشارع السوداني إلى أن المناظرة خلت تماماً من أي ذكر من قبل المرشحين الاثنين ولو بإشارة ضمنية لما يجري في السودان من حرب ضروس تجاوزت ال٥٠٠ يوماً أكلت خلالها الأخضر واليابس، ومورست فيها أبشع أنواع الجرائم، وأفظع الانتهاكات، قتلاً وسحلاً واغتصاباً وسلباً ونهباً وتهجيراً قسرياً وتدميراً ممنهجاً للبنية التحتية للبلاد، لقد تناول مرشحا الرئاسة الأمريكية السياسة الخارجية لواشنطن في مرحلة ما بعد الانتخابات بالتركيز على إطفاء نار الحرائق في أوكرانيا، وغزة، واليمن، وغيرها، دون أن يتطرقا إلى الحرب الدموية في السودان وتأثيراتها الإنسانية، الأمر الذي يعكس حقيقة واحدة مفادها ألا تأثير يذكر للأوضاع في السودان على الناخب الأمريكي.

اهتمام بوقف الحرب:
ومنذ اندلاع الحرب الدموية في السودان في الخامس عشر من أبريل 2023م، بدت واشنطن مهتمةً بإيقاف صوت البنادق وإعادة الأمور إلى نصابها، فسارعت بعد نحو ثلاثة أسابيع إلى دعوة وفدين يمثلان القوات المسلحة وميليشيا الدعم السريع إلى طاولة مفاوضات أعدتها بالتنسيق والتعاون مع المملكة العربية السعودية في مدينة جدة، حيث انطلقت المفاوضات في 6 مايو 2023م وركزت على قضايا أساسية هي تحقيق وقف فعال قصير المدى لإطلاق النار، والعمل على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية الطارئة، واستعادة الخدمات الأساسية، ووضع جدول زمني لمفاوضات موسعة للوصول لوقف دائم للأعمال العدائية.

تصاعد الاهتمام:
وبغض النظر عن نتائج ومخرجات منبر جدة، والتعنت الذي أبدته ميليشيا الدعم السريع بعدم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، ألا أن الاهتمام الأمريكي بالأزمة السودانية ظل متصاعداً، ففي نهاية شهر فبراير 2024م عينت الإدارة الأميركية توم بيريللو مبعوثاً أمريكياً جديداً وخاصاً للسودان، ورغم أن أقدام بريللو لم تطأ أرض السُمر بشكل رسمي، ألا أن المبعوث الأمريكي الخاص رمى الكثير من الحجارة في بركة الأزمة السودانية من خلال تغريداته المثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال متابعته اللصيقة لملف التفاوض وحركته الدؤوبة بين جدة، جنيف والقاهرة، في محاولة لتليين موقف الحكومة السودانية المتشدد، وحثها على تجاوز مخرجات منبر جدة، والتأسيس لتفاوض جديد في جنيف.

بلينكن على الخط:
وبالتوازي مع الحراك الذي أحدثه المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بيريللو، فقد دخل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بيلكن هو الآخر ميدان الجهود الدبلوماسية من خلال التواصل عبر خط الهاتف مع رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، حيث تمت في الفترة من شهر أبريل 2024م وحتى أغسطس 2024م حوالي ثلاث مكالمات هاتفية جمعت الرجلين، ناقشا خلالها سبل إنهاء الصراع في السودان، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، للتخفيف من معاناة الشعب السوداني، وحماية المدنيين، ووقف تصعيد الأعمال العدائية في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، واستئناف مفاوضات جدة، والرؤية الأمريكية لنقل التفاوض من منبر جدة إلى جنيف وغيرها من القضايا ذات الصلة بالأزمة السودانية وتداعياتها الإنسانية والأمنية.

ذكاء مقابل دهاء:
والواقع أن القيادة السودانية تعاملت بذكاء تُحسد عليه مع دهاء المواقف الأمريكية غير المحايدة والمساندة لميليشيا الدعم السريع، فاستطاعت الحكومة السودانية أن تتجاوز حقول الألغام التي وضعتها واشنطن في طريق الخرطوم لحملها على الرضوخ والقفز فوق مخرجات منبر جدة والالتفاف عليها بالجلوس في منبر جديد لتفاوض متجدد تشهد عليه مدينة جنيف السويسرية، وهو الأمر الذي لم يَحدثْ، بل أعاد المبعوث الأمريكي الخاص بخُفِّي حنين، غضبان آسفا، فأُسقط في يدي الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها دولة الإمارات التي ما انفكت تمارس ضلالها القديم بإمداد الميليشيا المتمردة بالمؤن الحربية، إمعاناً في إطالة أمد الحرب التي بدا واضحاً أن حماس الإدارة الأمريكية قد فتر من أجل إيقافها بعد أن ثبت أن الأزمة الأمنية والإنسانية في السودان، لا تجد اهتماماً من الناخب الأمريكي.

سببان وراء الغياب:
ويرجع السفير دكتور علي يوسف الشريف، سفير السودان السابق لدى الصين ومندوب السودان السابق في الاتحاد الأوربي، غياب القضية السودانية عن ساحة مناظرة السباق الرئاسي بين دونالد ترامب وكاميلا هاريس يعود إلى سببين أساسيين، وأبان في إفادته للكرامة أن السبب الأول يتعلق بالأحداث الكبرى الأخرى التي تسيطر على المشهد العالمي والتي تلعب فيها الإدارة الأمريكية دوراً بارزاً في منتوجها سواءً كانت الحرب الروسية الأوكرانية التي تؤيد فيها أمريكا أوكرانيا بالدعم العسكري والدبلوماسي، أو القضية الفلسطينية والحرب على غزة والتي تشكل فيها أمريكا لاعباً مهماً في ميدان تقديم الدعم لإسرائيل، هذا فضلاً عن قضايا أخرى كالعلاقات مع الصين التي يبدو فيها الموقف الأمريكي واضحاً فيها.

ضعف حراك دولي:
ويرى الخبير في فض المنازعات الدولية السفير نادر فتح العليم أن عدم تطرق مناظرة هاريس وترامب للحرب في السودان يعود إلى ضعف الحراك الدولي الذي يسلط الأضواء على الأزمة السودانية مثلما يحدث للأزمة في غزة، والحرب في أوكرانيا، وقال السفير فتح العليم في إفادته للكرامة إن المعسكر الأمريكي منحاز بكلياته وبشكل واضح تجاه القضية السودانية، ولكنه أي المعسكر الأمريكي مواجهٌ بعقبة أساسية تتمثل في عدم قدرته على الترويج في الرأي العام الأمريكي عن ميليشيا الدعم السريع المتمردة على الدولة السودانية، فآثروا الصمت إيزاء هذه القضية، مبيناً أن ميليشيا الدعم السريع مدانة بانتهاكاتها للقانون الدولي، وحقوق الإنسان، وقواعد الاشتباك منذ العام 2003م في دارفور ولديها قضايا في المحكمة الجنائية الدولية، حيث يواجهون تهماً تتعلق بكونهم جماعة متفلتة خارجة على القانون، تمارس القتل والإرهاب، وبالتالي فإن المعسكر الأمريكي لا يستطيع مهما فعل أن يحسِّن صورة هذه الميليشيا الإجرامية أمام الرأي العام الأمريكي، وإلا سيصبح الأمر بالنسبة لهم وبالاً على حملتهم الانتخابية.

دور ضعيف:
واعتبر السفير علي يوسف الشريف أن موقف الولايات المتحدة الأمريكية من ما يجري في السودان غامضاً جداً، مبيناً أن الجزء المباشر في الموقف الأمريكي حيال الحرب في السودان مربوط بدور المبعوث الأمريكي توم بريللو وتحركاته و جهوده التي وصفها بالضعيفة والتي قال إنها تأتي إسناداً لجهود دول أخرى، وخلف مواقف دول أخرى مثل السعودية وإسرائيل والإمارات، مما يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تظهر بصورة مباشرة عطفاً على صراعها حامي الوطيس مع روسيا والذي لم يأخذ شكله النهائي بشأن محاولة السيطرة على مناطق النفوذ في أفريقيا عامة، والسودان بصفة خاصة، وقال السفير علي يوسف إن الجهود مازالت مبذولة من الطرفين الروسي و الأمريكي لخلق مناطق نفوذ وسيطرة في السودان، لذلك نأت الإدارة الأمريكية بموضوع السودان عن ساحة المناظرة الأولى في السباق الرئاسي لأسباب تتعلق بموقف أمريكي مما يجري والجهود التي تبذلها الآن للخروج بصفقة لوقف الحرب في السودان، مما يعد مكسباً خارجياً يمكن أن تطرحه لاحقاً باعتباره نجاحاً للسياسة الخارجية للإدارة الأمريكية.

صمت مؤقت:
الصمت عن تناول القضية في الداخل الأمريكي أو على مستوى مناظرة السباق الرئاسي لا يعني موتها وعدم إدراجها في الأجندة الدولية، هكذا يمضي السفير نادر في العليم الخبير في فض المنازعات الدولية والذي يؤكد حضور القضية السودانية بشكل قوي في الأجندة الدولية، وداخل أروقة الأمم المتحدة، بيد أن تجاهلها من قبل مرشحي الرئاسة الانتخابية يعود إلى أن الانتخابات الأمريكية لا تحتاج إلى زعزعة من ناحية أنها تروّج إلى هذه المجموعة أو الميليشيا، ولا تستطيع في الوقت نفسه أن تصدر إدانة قوية في حقها مثلما حدث بإدانة مجموعة اليونيتا المتمردة في أنجولا، والتي وقفت منافحة لكل العالم بارتكاب الجرائم والفظائع المخالفة للقانون الدولي، ولحقوق الإنسان حتى صدر قرار من مجلس الأمن الدولي ضدها وحصر منها السلاح، وتوقع السفير نادر أن يحدث نفس الشيء في حق ميليشيا الدعم السريع المتمردة في السودان.

خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر فقد انتهت الجولة الأولى من مناظرة السباق الرئاسي للوصول إلى البيت الأبيض الأمريكي، جولةٌ غابت فيها القضية السودانية رغم معطياتها الإنسانية التي تقضُّ مضاجع الأمم المتحدة ومنظماتها الإغاثية، ومع ذلك فإن تداعيات الحرب في السودان ستظل شأناً يقلق واشنطن التي تسابق الزمن لإبعاد الدب الروسي من افتراس أي منصة نفوذ له في المنطقة وبالتالي ستكون عين الإدارة الأمريكية مفتوحة على آخرها تجاه السودان حتى لو كان الناخب الأمريكي غير مهتم بما يجري في هذا البلد الذي يسيل له لعاب المجتمع الدولي طمعاً في ثرواته وموارده التي تجعل منه سلةً لغذاء العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى